سامي النصف

المصالحة الوطنية وعبدة الشيطان

نشرت الصحف قبل مدة اعلانا لاحد افراد عائلة العوضي الكريمة شكر فيه صاحب السمو الامير، حفظه الله، على تدخله لاصلاح ذات البين بينه وبين بعض اقاربه، كما نشرت الصحف قبل يومين استقبال سموه للشيخين خليفة وعلي الخليفة الصباح ثم النائبين عدنان عبدالصمد واحمد لاري لاغلاق ملف التأبين، ولا شك ان تلك الجهود الطيبة لـ «اطفائي» الازمات في الكويت ستساهم في حل بعض الاشكالات القائمة على سطح الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية الكويتية، والمطلوب ان تساهم جهات اخرى وافراد في تلك المسيرة الطيبة كل بقدر جهده.

وضمن الامور المستغربة انه في الوقت الذي يتكاتف ويتلاحم فيه ابناء امم يبلغ عدد سكانها المليارات كالصين والهند والحال كذلك مع أتباع امم اخرى واسعة الارجاء وافرة السكان، نجد ان الخلاف على اشده في بلدنا الذي لا يزيد عدد سكانه على مليون نسمة ولا تزيد مساحته الآهلة بالسكان على 30كم شمال وجنوب العاصمة حتى ندر ان نسمع بكويتي يشيد او يثني على كويتي آخر وكأن الكويت خلت من الاخيار والطيبين، والعياذ بالله.

لقد استفحل الخلاف الشديد دون مبرر بين ابناء الاسرة الواحدة وامتد الخلاف ليشمل ابناء المجاميع السياسية والاقتصادية والدينية وحتى ابناء المهنة الواحدة الذين اعتادوا ان يتراصوا في الامم الاخرى كي يدافعوا عن مصالحهم المشتركة فوجدنا لدينا ظاهرة الطبيب ضد الطبيب، والدكتور ضد الدكتور، والمحامي ضد المحامي، والصحافي ضد الصحافي، والاديب ضد الاديب ..الخ، بشكل بعيد عن التباين والتنافس الصحي الذي يهدف للصالح العام فأغلب تلك الخلافات والصراعات قائمة على معطى شخصي لا غير ولو سألت اغلب المتخندقين بها وحولها عن اسبابها لما وجدت عندهم اجابة معقولة عدا مقولة «مع الخيل يا شقرا» فاذا شاهدنا اناسا يتصارعون فبدلا من الاصلاح بينهم تصارعنا معهم.

وتثبت ظاهرة الصراع المستدام في الذهنية الكويتية ان جينات مقاتلي حربي «البسوس» و«داحس والغبراء» اللتين يضرب بهما المثل في الغباء والتدمير الذاتي الهدمي قد ورّثت مرة اخرى لدى الاحفاد، والغريب ان نسمع من امثال هؤلاء المتخندقين والمتحاربين شكوى مريرة من تخلف الكويت عن جاراتها دون ان يشيروا باصبع الاتهام لانفسهم، فكيف لمرفق من مرافق الدولة ان ينهض وينافس اقرانه من الجيران والقائمون والعاملون فيه يمضون جل اوقاتهم في «كعبلة» وعرقلة بعضهم البعض حتى اصبحنا كالسفينة التي يجدف نصف بحارتها الى الامام ونصفهم الآخر الى الخلف فتبقى ساكنة في الميناء رغم وفرة الجهد الضائع، بينما تمر عليها سفن الجيران منطلقة بأقصى سرعتها الى المستقبل الزاهر.

ولتلك التخندقات الضارة والمعارك والصراعات العبثية اكثر من سبب، فبعضها يقوم على معطى الحقد والحسد غير المبرر، الذي يؤمن بعض اصحابه بسياسة «الارض المحروقة» او مقولة «علي وعلى اعدائي يا رب»، تجاه الناجحين، والبعض الآخر يقوم على تصديق مقولات الزيف والكذب والافتراء وتصديق الاشاعات والاقاويل دون عناء التأكد مما ينقل من المصدر مباشرة وهو احد ادنى مستوجبات العدل، والبعض الثالث – وخاصة ما هو قائم في الدوائر الحكومية – يقوم الخلاف الشديد فيه على معطى عدم الاحتراف حيث يقوم بعض الموظفين باختصام رؤسائهم والتشهير بهم دون الاحترام الواجب من المرؤوس لرئيسه، او بالمقابل الخطأ الفادح لبعض الرؤساء واعتقادهم ان الوزارات والمؤسسات الحكومية هي ملك «خاص» بهم يقربون او يبعدون من جنتها من يشاءون، ضاربين بالانظمة والقوانين عرض الحائط، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:
 
1 – نحتاج لمؤتمر مصالحة وطنية يتم خلاله مصالحة القريب مع القريب واصحاب التوجهات السياسية والمهنية مع بعضهم البعض وهذا العمل اجدى وانفع للجنة الظواهر السلبية من التعامل مع قضايا لا تمس الا اعدادا لا تذكر من المواطنين او حتى لا توجد، ولله الحمد، في مجتمعنا كأكذوبة عبدة الشيطان التي اخترعها احد الاعلاميين لجذب المشاهدين لبرنامجه والتي سيحولها الوهج الاعلامي والبرلماني لحقيقة واقعة، لحب الشباب لكل ما هو غريب.

2 – لو وزع عدد الشكاوى والدعاوى والعداوات على عدد السكان لحاز بلدنا، ولا فخر، المركز الاول بين امم الارض.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *