سامي النصف

مدينة إعلامية ثقافية تراثية

سواء تباين زوجان في المنزل او صديقان في الديوانية او سلطتان تعملان تحت قبة واحدة، كحال الحكومة ومجلس الامة، فالقاسم المشترك لحل كل تلك التباينات والاشكالات يأتي عبر وضع الاصبع على موطن الخلل والخلاف، فمتى عرف الداء سهل الدواء.

وواضح ان هناك فلسفتين مختلفتين تخلقان الاشكال المتكرر بين السلطتين حول النهج الامثل للتعامل مع موارد النفط المتصاعدة، فعلى جانب النواب هناك طرح شعبي يتبناه البعض منهم يرى ان الحكومة هي اقرب للاب الذي منّ الله عليه بوفرة المال، لذا فعليه ان يتبحبح بالصرف على ابنائه – اي ابناء الشعب – عبر رفع الرواتب واسقاط الديون وتغطية كلفة التقاعد المبكر.. الخ، ويرى اصحاب هذا التوجه ان في ذلك توزيعا عادلا للثروة يصيب اكبر قطاع ممكن من المواطنين بدلا من ذهاب الاموال لقلة قليلة من المستفيدين.

يقابل ذلك طرح حكومي يرى ان دور الحكومة ليس اشبه بدور الاب، بل هو اقرب لدور مدير الشركة الذي يرعى مصالح موظفيه ومساهميه – اي ابناء الشعب – عبر الحرص على اموالهم وتنميتها بدلا من توزيعها اولا فأولا عليهم، وان الاخذ بفلسفة الاب لا المدير يعني تعويد الناس على عدم تحمّل تبعيات اعمالهم، كما انه يفتقر للنظرة المستقبلية حيث قد نحتاج لتلك الاموال لسد عجوزات الميزانية حال انخفاض اسعار النفط المتقلبة بدلا من الاضطرار لرفع الدعم عن اسعار الكهرباء والماء والبنزين كما يحدث في بلدان العالم الثالث والذي يؤدي عادة للاضطرابات السياسية.
 
الفلسفتان قائمتان وتحتاجان للنقاش والاتفاق حولهما بين رجال السلطتين منعا للخلاف.

كلما مررت علي الطريق الدائري الاول شعرت بالحزن بسبب عرقلة مشروع «نهر الكويت» العظيم الذي كان يفترض ان يدخل مياه الخليج من منطقة بنيد القار ويخرجها من منطقة قبلة قرب الشيراتون، على ان تكون على ضفتيه الحدائق والمقاهي والمطاعم والاسواق والاماكن الترفيهية، وبالمقابل كلما مررت على الدائري الخامس او اتجهت للسالمية وشارع الخليج والفحيحيل والجهراء سعدت لضخامة مشاريع القطاع الخاص المقامة على الاراضي العامة للدولة التي اصبحت مقصد المواطنين والمقيمين والزائرين، وآخر ما زرته بالامس كان مشروع «سليل الجهراء» الذي اصبح الرئة الترفيهية والتسويقية لتلك المدينة التاريخية العريقة.

هناك ارض حكومية جرداء مساحتها مليون متر مربع تطل على البحر في منطقة الشويخ تذرو رمالها الرياح ولا تدر على المال العام فلسا احمر، فنرجو ان تنشأ شركة مساهمة عامة تخلق على تلك الارض مدينة اعلامية ثقافية تراثية بحيث توزع قسائمها بأسعار تشجيعية على جميع الدور الصحافية القائمة على ان يغلق باب التراخيص بعدها بعد ان اصبح لدينا اصدارات يومية جميلة تمثل الجميع وتكفينا خمسين سنة قادمة، كما ستكفي مساحة تلك الارض لتوزيعها على الفضائيات المحلية القائمة اضافة الى ستديوهات ومكاتب لمحطات التلفزة والصحافة العربية والدولية، فموقعنا في الكويت اقرب لاحداث ايران والعراق من المناطق الاخرى في الخليج.

ويجب ان يتوافر ضمن تلك الارض مسارح وسينمات ومقاه ومجمع يضم المكتبات ودور النشر امثال «الربيعان» و«وكالة المطبوعات» و«الرويح» و«قرطاس» وغيرها، حيث من المخجل حقا ان يستمر اغلاق المكتبات ودور النشر بسبب الصعوبات المالية في بلد وافر الثراء عريق في قضايا الثقافة والفن، يضاف الى ذلك خلق اسواق للتراث والتحف كحال «خان الخليلي» في مصر كي يتم اخراج محلات التراث والتحف و«الانتيك» الحالية من احد السراديب القديمة في منطقة السالمية، ومركز كهذا يمكن ان يُنتهى من انشائه خلال 36 شهرا ويصبح مركز استقطاب شعبي جديدا واشعاع حضاري في الخليج.

آخر محطة:
العزاء الحار لآل الصراف الكرم وللصديق المحامي عبدالحميد الصراف في فقيدهم الراحل محمد الصراف، للفقيد الرحمة والمغفرة ولاهله وذويه الصبر والسلوان.

احمد الصراف

خطر الجنوس والعمالة السائبة

اجرت جريدة «الآن» الالكترونية المقروءة استبيانا عن اهم الاخطار التي يواجهها المجتمع في الكويت، وقد صدمت بالنتيجة حقا!!
جاءت قضية الفساد الحكومي في المرتبة الاولى في قائمة الاخطار، وهذا معقول، ولكن غير معقول هو ورود خطر العمالة الوافدة وخطر البويات او الجنس الثالث في المرتبة الثانية، وبدرجة متساوية (!!!)
لا شك ان هذه النتيجة تمثل مؤشرا خطيرا على مدى انحدار مستوى الفهم لدى المواطن، وربما المقيم. فإذا كان هذا هو رأي متصفح الانترنت، الذي يفترض انه على قدر كاف من الفهم والتعليم، من ان وجود البعض من المتشبهين بالجنس الآخر، او الثالث، او اي تسمية اخرى تطلق عليهم، يساوي في خطورته مشاكل العمالة الوافدة، فهذا يعني ان عقل المواطن الكويتي مصاب بخلل كبير ويحتاج الى تركيب ساعة عليه تشبه تلك الموجودة على برج التحكم بجنوب منطقة السرة!!
كيف يمكن ان نصدق ان شعبا صغير العدد، كالشعب الكويتي، انفقت حكومته على تعليمه خلال نصف القرن الماضي ما لا يقل عن 30 مليار دولار، يعتقد بأن مشكلة الجنس الثالث تعادل في خطورتها وجود اكثر من 50 الف عامل دون عمل حقيقي او دخل او رعاية صحية، يشكلون في مجموعهم قنبلة اخلاقية وامنية فائقة الخطورة؟
كيف يمكن ان نصدق ان مجموعة من الجمعيات المتخلفة استطاعت على مدى عقدين من الزمن اعادة تشكيل عقل المواطن، بحيث اصبح وجود مائة او الف من المتشبهين بالجنس الآخر يشكل قضية وطنية، وانها بنفس خطورة قيام آلاف المواطنين بخداع الدولة وتزوير محرراتها الرسمية وانتهاك انسانية عشرات الآلاف من العمال ورميهم بالشارع دون عمل، بعد سلبهم مبالغ نقدية كبيرة، اذ رهن البعض منهم بيوتهم وباع البعض الآخر ماشيته لدفعها لذلك المواطن النذل؟
ان المواطن الكويتي بحاجة حقا لاعادة تأهيل بعد ان نجحت قوى الردة والظلام في تغيير طريقة تفكيره، بحيث اصبحت اولوياته اكثر ميلا للغرائز منها للعقل، والا فكيف ينجح خطيب في تجميع آلاف الشباب في هذا الصيف القائظ للاستماع إليه وهو يصف لهم لذة الصلاة، وينجح آخر في جذبهم لسماع محاضرة عن كيفية غسل الموتى، وهي الحالة الاولى في تاريخ البشرية التي يقوم فيها «مغيسل» بإلقاء محاضرة عامة عن طبيعة عمله!
لا ادري متى تهدأ الاوضاع في لبنان لأذهب الى هناك واتخلى لمرة واحدة والى الابد عن كل هذا القهر والعهر الفكري الذي اراه امامي، واجد نفسي عاجزا عن فعل شيء ازاءه.

أحمد الصراف