جرفنا العراك السياسي، منذ عقود، بعيدا عن قضايا التنمية حتى أضحينا الدولة الوحيدة في الدنيا التي مازالت تعتمد كليا على مورد وحيد للدخل بعد ان تفرغ الجيران لقضايا التنمية ونجحوا في التحول الى مراكز مالية أضحت معها مداخيل النفط لدى البعض منهم لا تمثل شيئا مقارنة بمداخيلهم الاخرى من خدمات وسياحة واستثمار.. إلخ.
ومن زاوية اخرى للموضوع، اضحت المنطقة الممتدة من غرب الصين حتى شرق اوروبا مهددة قريبا بفوضى عارمة واضطرابات اهلية مدمرة ولن ينجو من تلك الفوضى – التي سنخصص لها مقالا آخر – الا الشعوب المنضبطة الرزينة التي تحكّم عقولها، لا عواطفها، فيما يجري حولها، فالانفعال او التعصب وتغييب العقل وما يتسببان فيه من حنق وغضب وعدم رضا – دون مبرر حقيقي – كل ذلك سيكون الوقود الذي ستحرق به كثير من الاوطان.
لذا فقبل حديثنا عن المجلس الجديد والحكومة الجديدة علينا النظر في رؤى جديدة للمواطن تجعله اكثر موضوعية ومنطقية في تقييمه للاحداث، وعقلانية في مطالباته من نوابه، حيث لاحظنا من تجربة الماضي القريب كيف انقلبت الموازين بسبب قضايا نحتاج جميعا للتوقف عندها ومناقشتها على الملأ حتى لا تستغل مستقبلا من قبل اعداء الوطن لاثارة الحنق والاضطراب فيه.
فقد شهدنا في المجلس السابق مطالب غير مسبوقة في تاريخ الامم منذ بدء الخليقة تتمحور في طلب مدغدغ بإسقاط القروض مستخدمين موارد اجيالنا المقبلة، وكأن الكويت بلد منقرض لا مستقبل له، ولو تحقق ذلك المطلب غير المنطقي، لحنق الناس مرة اخرى لرفض مطلب غير عقلاني آخر بتوزيع موارد الدولة أولا فأولا على المواطنين! وعندما رفضت الدولة تلبية ذلك المطلب شعر البعض بالظلم، بدلا من الامتنان كون بلدنا هو الوحيد في العالم الذي أنشأ صناديق لدعم المتعثرين في السداد، بينما تصادر البيوت ويطرد السكان الى الشوارع عند توقف المدين عن السداد حتى في أرقى وأغنى دول الارض.
ومثل ذلك التذمر غير المبرر، بدلا من الشكر والامتنان، لمنع الحكومة التعدي على الاراضي العامة التي هي ملك لنا جميعا – وليست للعلم ملكا للحكومة – كذلك حرصت الدولة على منع الفرعيات تطبيقا لتشريعات ممثلي الشعب في مجلس الامة ومرة اخرى نرى التذمر غير المبرر ولوم من يطبق القانون بدلا من لوم من يخالفه، والحال كذلك مع منع تأبين من سفك دماء الكويتيين وهو أمر لو لم تتدخل الدولة لاحتوائه لخلق فتنة لا تبقي ولا تذر.
وقد تابعت قبل يومين على محطة «فلاش» الفضائية رد النائب والوزير السابق احمد باقر المقنع على قضية اسقاط القروض ومقارنتها غير العادلة بالمديونيات الصعبة، حيث اوضح ان الاخيرة نص عليها الدستور في مادته الـ 25 التي تلزم الدولة بتعويض خسائر الحروب، حيث نهبت بضائع 12 الف مواطن كويتي ائتمنوها في بلدهم الذي تعرض للاحتلال، واعاد بومحمد للاذهان ان الدولة اسقطت آنذاك جميع قروض المواطنين وسلمتهم صكوك ملكية منازلهم.
وأوضح ان المستفيدين من ذلك القانون كانوا المواطنين كافة، حيث ان عدم تعويم وتغطية مراكز هؤلاء المدينين سيعني افلاس جميع البنوك الدائنة ومن ثم تضرر الجميع، واضاف ان الدولة استردت الاموال التي دفعتها في تغطية المديونيات الصعبة حيث تسلمت على الفور 45% من قيمة الدين، كما حصلت على الباقي من الاقساط المقررة خلال 5 سنوات، وقد نص قانون المديونيات على حصول الدولة على اموال واسهم وعقارات واي تعويضات واموال تورث للمدين، ومع ذلك تسبب ذلك القانون في إفلاس كثير من كبار التجار ممن لم يستطيعوا في النهاية تغطية خسائر الاحتلال، رغم ان الدستور يلزم الدولة بتغطيتهم بالكامل، لا دفع 45% من قيمة بضائعهم المعدومة.
آخر محطة:
سؤال بسيط، لماذا لم يوضح وزير الدولة لشؤون مجلس الامة في المجلس المنحل تلك الحقائق الجلية للناس بدلا من تركهم عرضة للدغدغة والاحباط والحنق والشعور غير الحقيقي بالظلم؟! فالكويت مازالت بخير، ومازالت – للعلم – اكثر الدول عدلا وانصافا لمواطنيها.