سامي النصف

بل نحن حقل تجارب يا بوقتيبة

يتساءل الزميل العزيز فيصل الزامل في مقاله الرائع بالامس:

هل اصبح شعبنا الكويتي الطيب فئران تجارب «guinea pigs» في قضية الدوائر بيد المخادعين من دعاة احتكار الحقيقة والمغررين بالناس والمتهمين مخالفيهم – ممن هم اكثر حكمة وصدقا منهم – بالخيانة الوطنية دون ان تصبغ وجناتهم حمرة الخجل الداكنة بسبب خياراتهم الخاطئة المتكررة.

لقد قلنا قبل اقل من عامين ان تغيير الدوائر سيسيء الى الاوضاع ويعزز الامور السالبة من فرعيات وشراء اصوات، وهو ما حدث، وان الحل الحقيقي المسكوت عنه آنذاك يكمن في الجدية بتطبيق القانون الذي ان تم ستختفي تلك الظواهر، ايا كان عدد الدوائر، وان ابقينا على خيار تجاهله ستبقى السلبيات مع اختفاء مزايا الـ 25 دائرة واولاها حسن تمثيل الشرائح الصغيرة في المجتمع.

ومن اكاذيب الامس التي تتكرر اليوم القول ان الـ 25 دائرة هي التي تتسبب في الطائفية والقبلية والعائلية وشراء الاصوات (!)، وان الكويت كانت تفتقد تلك الظواهر ابان الدوائر العشر (حقبة الستينيات)، متناسين ان العالم بأجمعه – الذي لم تتغير دوائره – قد تغير منذ ذلك الوقت، فاشتعلت على سبيل المثال بالامس في لبنان الحرب الطائفية كما تشتعل هذه الايام وللمرة الاولى في تاريخها الحروب الطائفية والقبلية في العراق والسودان والصومال.. الخ، فما دخل خيار الـ 25 دائرة بذلك؟!

ان اسباب معارضتنا وبشدة خيار الدائرة الواحدة الذي سيدمر بالقطع البلد ويقسمه تكمن في الآتي:
 
1 – انه قفزة اخرى للمجهول ووصفة خاطئة اخرى من قبل نفس الاطباء، حيث لا توجد دراسات او دلالات على النتائج المحتملة لذلك الخيار وتأثيره على سبيل المثال على الاقليات في مجتمع اقصائي غير متسامح لا يستمع فيه من يحصد 51% من الاصوات لمن يحصل على 49% الاخرى.
 
2 – عدم دستورية ذلك الخيار الذي يقدم – يا للعجب – ممن اوصلوا نصوص الدستور الى مكانة الكتب المنزلة.

3 – ان ذلك الخيار سيضع 50 كرسيا اخضر كجائزة وغنيمة مما سيزيد من حدة الفرعيات وظاهرة شراء الاصوات.
 
4 – ان العالم اجمع، اي 99.5% من بلدانه – عدا اسرائيل – يزيدون من عدد دوائرهم تباعا، ونحن نقوم بشكل هزلي واستخفاف شديد بإنقاصها، فهل جماعتنا المحتقنة والمتأزمة دوما اكثر حكمة وعقلا واتزانا من الآخرين؟! لا تعليق.
 
5 – من سيكسب من النظام الشاذ الفريد (الدائرة الواحدة) لن يرجع قط لأي نظام آخر مهما كانت فداحة الخطأ.

6 – سيتسبب تكبير الدائرة الانتخابية الى حدها الاقصى في وصول فقط الكتل الكبرى المنظمة ذات المرجعية والقدرة على التحالف، وهي في الاغلب تتبنى اجندات لا تتماشى مع العصر وقامعة للحريات ولا تدعم خيار كويت المركز المالي الاستراتيجي ولا تنظر بود لحلفائنا التقليديين.
 
7 – سيقسم خيار الدائرة الواحدة المقسم وستتكتل وتتخندق وإلى الابد كل طائفة وشريحة اجتماعية على نفسها لحصد كراسي تتماشى مع عددها وستصبح بعد ذلك مصطلحات الوطنية وحب الكويت شعارات دون مضمون.

8 – ان من يروج لذلك الخيار هم اطراف لم يعرف عنهم الذكاء او الحكمة ولم يدعوا الى أمر إلا واثبتت الايام خطأه الفادح.

وبودي ان نجعل كناخبين الاقتراع المقبل اقتراعا على الحكمة مقابل التأزم، والعقل مقابل الدغدغة، والتنمية مقابل التخلف، والذكاء مقابل الغباء، وان نسقط ونبعد حفاظا على مستقبل بلدنا واولادنا كل من يدعو بغفلة او بخبث شديد لخيار الدائرة الواحدة المدمر.

آخر محطة:
بديهية، الفارق بين الخيار الشمولي (الشيوعي، الديكتاتوري.. الخ) والخيار الديموقراطي، هو ان الاخير يؤمن بالرأي والرأي الآخر، لذا لا يجوز لمن يؤمن بالديموقراطية اقامة الندوات للمخدوعين للاستماع لمن يدعون فقط لخيار الدائرة الواحدة الا اذا كان هذا مشروع غسيل عقول – من تاني – او بالمقابل اعترافا صريحا بضعف حجة الداعين اليه امام خصومهم من أصحاب الرأي الآخر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *