سامي النصف

سياسة «البس بس» القاتلة

رغم عدم وجود محاضر مدونة لمجلس 38 عدا ما كتبه سكرتير المجلس المرحوم خالد العدساني في كتابه «ربع عام من العمل النيابي» الا ان اعداء الكويت وعلى رأسهم صدام حسين حاولوا ان يدخلوا من تلك الثغرة ليثبتوا دعاواهم الكاذبة والزائفة بحق الكويت، ما يعني الأهمية القصوى لما يقال ويكتب في محاضر المجالس التشريعية هذه الايام كونها تمثل قرائن وأدلة مستقبلية لا ترد ولا تدحض ويمكن استخدامها في دعاوى قد لا تقل ضررا عن كارثة الاحتلال.

وأحد الأمور التي سمحت للأفكار السالبة بأن تطغى في السابق على الحياة السياسية المحلية وتزيد من غضب ومعارضة الناس للسياسات الحكومية ومن ثم اختيارهم للمرشحين «المتأزمين» هو اعتماد الحكومة على سياسة فريدة لا وجود لها في الديموقراطيات الأخرى أي سياسة «البس بس» ونعني همس الوزراء بعضهم لبعض تحت قبة البرلمان دون تجرؤ احد على الوقوف والرد على الاتهامات كي لا تتحول الى حقائق ثابتة امام من يقرأ الصحف ويشاهد الفضائيات.

وقد شهد دور انعقاد مجلس الامة اواخر اكتوبر الماضي ظاهرة غير مسبوقة ولم تشهدها حكومة سابقة قط وهي هجوم «جميع» النواب على الحكومة موجهين لها أشنع التهم بالفساد والضعف وسوء العمل ولم تقف الجهة المعنية بشؤون مجلس الأمة للرد على تلك التهم الخطيرة مما تسبب بضررين فادحين، الأول كسر هيبة الدولة امام الناس ومن ثم اقتناع المواطنين بصحة تلك التهم التي تكفي احداها لإقالة وزارة بأكملها وهو ما تسبب بالتجمعات اللاحقة والتعدي على رجال الأمن.

ثاني الاضرار وهو الأفدح والأكثر ديمومة، يكمن في إمكانية استشهاد اي معاد للنظام او للوطن مستقبلا بتلك المحاضر لإثبات تدهور الأحوال وتفشي الفساد وعدم رضا الناس عبر ممثليهم عن الاحوال العامة وكرت كهذا هو أقرب لـ «الچوكر» يمكن ان يستخدم بألف طريقة وطريقة.

وقد شاهدت قبل مدة على قناة «الجزيرة» لقاء ضم نوابا وكتابا كويتيين وجهوا خلاله هجوما عنيفا آخر للسلطة، وقد ذكر معدو البرنامج انهم وجهوا الدعوة للمسؤولين المعنيين بشؤون مجلس الامة ولم يحضر احد، وبذا استمع الملايين داخل الكويت وخارجها للتهم ولم يستمع احد للرد بسبب سياسة «البس بس» التي لم تمارس قط في اي ديموقراطية اخرى منذ عهد اليونان حتى حقبة الأميركان.

إن الإشكالية الحقيقية هي ان الاوضاع السياسية في البلدان المختلفة لا تبقى في حالة استاتيكية جامدة بل تتجه اما الى الصعود والتحسن متى ما قامت الحكومة المناط بها دستوريا ادارة شؤون البلاد وشرحت عبر نهج «الحكومة الناطقة» اهداف ومقاصد القوانين المختلفة وقارعت الحجة بالحجة وقرنت السؤال بالجواب، او تتجه سريعا للانحدار والتأزم متى التزمت بسياسة «البس بس» التي يقوم بها من يريد ان يأكل من خير الحكومة ولا يتحدث باسمها فيبقى المواطنون في حالة «حيص بيص».

آخر محطة:
كثير من وزراء الحكومة قلوبهم معها وألسنتهم عليها فهم اول من يسرب الأخبار التي تسيء اليها بهدف الحفاظ على صلتهم الشخصية الجيدة مع معارضيها، والحديث ذو شجون.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *