سامي النصف

حروب العرب.. كارثة 67

تمخضت حرب السويس 56 عن مولد اعلام غوبلزي عربي من الطراز الممتاز، حيث اسرت آذان العرب صيحات احمد سعيد وكذبت على عقول العرب كلمات محمد حسنين هيكل، فتحول الانكسار الى انتصار واستخدم ذلك الانتصار الكاذب لقلب الجيوش على العروش فتساقطت في ايام حزينة الملكيات الليبرالية وحلت محلها العسكريات القمعية.

بدأت حرب 67 بخدعة كبرى حيث ادعى ثلاثي الحكم في سورية آنذاك «زعين، ماخوس، جديد» أنهم قرروا تحويل دمشق الى هانوي اخرى تستهدف بدء الحرب الشعبية لتحرير فلسطين، ثم ألحقوا ذلك بادعاء ان الجيش الإسرائيلي يهدد باحتلال عاصمتهم، وألقوا باللوم على عبدالناصر على صمته وسكوته كذلك على مرور البواخر الاسرائيلية امام جنده في مضائق تيران، ورغم ان ناصر لا يملك حق طرد القوات الدولية كونها موجودة بقرار من الأمم المتحدة الا ان امينها العام يوثانت لبى بشكل غريب طلب القيادة المصرية وسحب قواته على عجل من سيناء، وقد ظن عبدالناصر ان الأمر لا يتعدى تظاهرة عسكرية سيتدخل المجتمع الدولي لفضها مرة ثانية.

على الجبهة المصرية ابلغت المخابرات العسكرية القيادة السياسية ان مدى الطيران الإسرائيلي لا يتجاوز 300 كم وفاتها ان التقنية الاسرائيلية قد زودت طائراتها بخزانات وقود اضافية، كما اخفت عن القيادة حصول اسرائيل على قنابل عنقودية تدمر الممرات الجوية مما يجعل الطائرات المصرية تصبح كقطعان البط الجالسة بعد الضربة الجوية الاولى لعدم قدرتها على الإقلاع، في ظل تلك المعلومات المضللة قرر عبدالناصر القبول بمبدأ تلقي الضربة الجوية الاولى، بعد ان اخفى جميع طائراته في الغرب والجنوب متيقنا من ان اسرائيل لن تصل لها، ومعها بدأت اكذوبة «توقعناهم من الشرق فأتوا من الغرب»، التي كتبها هيكل وقرأها عبدالناصر في خطاب تنحيه المؤثر، والتي اسقطت فيما بعد النظام الأبوي للملك ادريس السنوسي الذي صادف موقع بلده الى الغرب من مصر.

بدأت الحرب صباح الاثنين 5 يونيو 67 وكان رادار عجلون في الاردن قد ارسل تحذيرا لمصر فحواه «عنب، عنب، عنب» وهو بعلم الشفرة يعني ان هناك طائرات اسرائيلية مغيرة، الا ان الشفرة تم تغييرها في الليلة السابقة، وفيما بعد خدع المشير عامر حليفه الملك حسين، وقال له ان 90% من الطائرات الاسرائيلية قد أُسقطت ودعاه لدخول الحرب للمشاركة في النصر، وقد قامت القيادة الأردنية والعربية المشتركة بالاتصال بالقيادة السورية طالبة منها ان تقوم طائراتها بضرب الطائرات الاسرائيلية القادمة من مصر دون وقود او ذخيرة، ولم تستجب القيادة السورية الا في المساء بعد ان قضت الطائرات الاسرائيلية على الطيران المصري بأكمله..

تم بالفعل تدمير الطائرات المصرية بالكامل، الا ان الطيارين المصريين لم يُقتلوا وكان بقاء القوات المصرية متماسكة في سيناء حتى دون غطاء جوي، وهو امر معتاد يعني وصول الطائرات الروسية والجزائرية والعراقية مما سيعدل كفة الجو، الا ان قرار المشير القاتل بالانسحاب الفوري من سيناء كان السبب الحقيقي للنكسة لا ضرب الطائرات التي يمكن تعويضها بسهولة.

يتبع…

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *