سامي النصف

هيبة الحكم ومؤشر الدول الفاشلة

يقول احد الساسة الثورجية المخضرمين الذي لم ينظّر لشيء في الماضي إلا وثبت خطؤه انه كان يتعمد إبان عضويته للبرلمان استقصاد الشخصيات الكويتية البارزة من وزراء شيوخ وغيرهم بطول لسانه «لكسر هيبتهم» حسب قوله ولتشجيع الآخرين على مهاجمتهم، ولم يقل لنا ذلك الثورجي المخضرم ما الفائدة التي يجنيها المجتمع الكويتي – او اي مجتمع آخر – من كسر هيبة الحكم عدا نشر الفوضى والخراب وتشجيع اعمال الإرهاب والتقاتل، والتحول بالتبعية من منهاجية الدولة المستقرة المتقدمة الى تصنيف الدولة الفاشلة المتأخرة.

نشرت مجلة الـ «فورين بوليسيز» الاميركية وهي احدى اكثر المجلات السياسية رصانة واحتراما في العالم جدولا لعام 2007 حول الدول الأكثر فشلا «The Failed States Index» ضم 177 بلدا وتم التصنيف الى دول في «المرحلة الحرجة» وتصدرت المراتب الثلاث الأولى فيها كل من السودان والعراق والصومال وجميعها دول أعضاء في الجامعة العربية التي يسيّر اعمالها الأمين العام «الناجح» السيد عمرو موسى.

أتت بعد ذلك دول «المرحلة الخطرة» ومن ضمنها الـــيمن وسورية ومصر ولبنان، تلتــــها دول «حافة الخطر» ومنها دول شمال افريــــقيا والأردن وإيران والسعودية وتركـــيا، ثم «الــــدول الآمنة» وضــمت الكويــت وعـــمان والإمارات والبحــــرين وقطــر، وهي للمعلومة بنفــــس تصنيف امــــيركا وأستـــراليا واليابان وأغلــــب دول الاتحاد الأوروبي، ثم اخيرا الدول «الآمنة جدا» وهي كندا والنرويج وفنلندا والسويد.

نعمة الأمن التي ننعم بها والتي تقر بها المنظمات الدولية، كما اتى في جدول مجلة الـ «فورين بوليس»، ليست امرا ثابتا او جبلا اصم او حقيقة أزلية لا يمكن مسها، بل الأمر على العكس من ذلك، فجميع تلك المعطيات مرشحة للتغيير السريع ما لم نحكّم العقل والحكمة ونسعى جميعا جاهدين الى الحفاظ على هيبة الدولة حتى لا تنفرط السبحة ونضحي كمشاريع الدول الفــاشلة التي ينعم البعض منها بالنفط والموارد الطبيعية والديموقراطية والحريات الصحافية، والمرشحة للانفلات وتفشـي الحروب الأهلية.

هذا الأمر لا يعني من قريب أو بعيد التوقف عن محاسبة التجاوزات وملاحقة عمليات الفساد والسرقات بل على العكس من ذلك فقد ثبت ان الدول الأكثر نجاحا واستقرارا في العالم هي في الوقت ذاته الأكثر محاربة للفساد المالي والإداري والأعلى مكانة في جداول منظمات الشفافية الدولية. ان المحاسبة الحقيقية الفاعلة أبعد ما تكون عما نراه قائما كل صباح من عمليات تكسّب سياسي وتمصلح شخصي تقاد له بعض الجموع المغرر بها لما فيه خراب الأوطان عبر الأخذ بمنهاجية العلاج الأكثر ضررا من المرض.

آخر محطة:
العزاء الحار للصديق م.فواز الفرح مدير عام الطيران المدني لوفاة المرحومة عمته، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.

د. أحمد الخطيب

الكويت من الإمارة إلى الدولة (14)

اتفاقية تنفيق العوائد والاستقالة والتزوير

في 26 يناير 1965 فاجأ مجلس الأمة الكويتي العالم عندما أسقط بالإجماع اتفاقية تنفيق العائدات التي عرضتها شركات النفط الكبرى المهيمنة على إنتاج النفط في العالم ونقله وصناعته. واللافت للنظر هنا أن المجلس كان قد أسقطها بعد أن أقرتها ثلاث دول نفطية هي إيران والسعودية وقطر. وكانت موافقة الكويت كدولة رابعة ضرورية لسريان الاتفاقية على جميع دول الشرق الأوسـط، وتشمـل العـراق الذي رفـض الاتفاقية وليبيا التي لم تبت في أمرها.
كانت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الناشئة، التي ناضل من أجل قيامها الخبير النفطي العربي الفذ عبدالله الطريقي، قد توصلت مع الشركات إلى الاعتراف بحقوق الدول المنتجة في كامل «العوائد» التي كانت تحصل على نصفها. وأعدت المنظمة النموذج الموحد للاتفاقية، إلا أن الشركات استطاعت أخذ موافقة إيران على صيغة معدلة أعدتها الشركات بعد تقديم رشوة لها بإقراضها 22 مليون جنيه استرليني لمدة عشرين عاماً من دون فوائد ووعدها برفع إنتاجها من النفط بحيث تصبح الدولة الأولى في تصديره، مما اضطر أوبك إلى إلغاء الموضوع من جدول أعمالها إذ إن ميثاق المنظمة يلزم بجماعية القرار. متابعة قراءة الكويت من الإمارة إلى الدولة (14)