لم أكن أرغب في الكتابة ثانية عن مبررات خوض الانتخابات، وفقاً لـ «الصوت الواحد» لولا هذه الحملة المسعورة على بعض أعضاء تكتل الأغلبية الذين قرروا المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وحجتهم الوحيدة في ذلك أنهم تعهّدوا للناس ووعدوهم باستمرار المقاطعة، إن استمر العمل بنظام الصوت الواحد، فالوعد عهد كما يقولون..! ونقبوا في الأرشيف، ووجدوا بعض الفيديوهات التي تبرز وعود هؤلاء للناس، ولم يترددوا في نشرها؛ ظناً منهم أنهم وجدوا ضالتهم!
ولقد أكدنا مراراً وتكراراً أن قناعتنا بـ «الصوت الواحد» لم تتغيّر، فنحن ما زلنا نعتقد أن نظام الصوت الواحد لا يناسب الكويت، ويضر بالمصلحة العامة، بل إنه خطر على مستقبل البلد، بسبب سوء المخرجات التي يتيحها هذا النظام، لذلك قاطعنا، وكنا حينها نعتقد أن الاعتصام في ساحة الإرادة والمسيرات السلمية ستساهم في تغيير الحال وسنضغط لإلغاء هذا النظام الانتخابي، وهذا ما فعلناه وقمنا به، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد قُمعت الاعتصامات والمسيرات بطريقة غير مسبوقة، ومارست الأجهزة الأمنية العنف بكثافة غير مبررة، وتعاملوا مع الحراك الشعبي كما يتعاملون مع الثورات الانقلابية، حتى خُيل إلينا أننا في وسط ساحة معركة!
لم تكتف «وزارة الداخلية» بإفشال الحراك السلمي وخطط المعارضة السياسية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فمارست الضغط النفسي والقمع المادي ضد النشطاء السياسيين، فسحبت الجناسي وألغت تراخيص صحف المعارضة ونفت البعض وأصدرت قوانين تكميم الأفواه بمباركة مجلس الصوت الواحد، وتوّجت أعمالها القمعية بسجن أحد رموز الحراك وملهمه، فكانت النتيجة الطبيعية لكل ذلك أن انشلت المعارضة وتوقف الحراك عن الحراك، وجلس الناس في بيوتهم ينتظرون زوّار الليل، وامتلأت أروقة المحاكم بنشطاء التغريد وأصحاب الأقلام الحرة!
في مثل هذه الأجواء لم يعد الحراك حلاً لهذه الأزمة، وأصبحت تداعيات المقاطعة ثقيلة على الشعب، وانتشر الفساد على أوسع نطاق، وبدأ الانحدار في كل الميادين، وشرعت الحكومة في فرض الضرائب، وبدأ الناس يتململون من الواقع السيئ ويوجهون سهام اللوم إلى مقاطعة الانتخابات، بل بدأوا يجاهرون بضرورة إعادة النظر في قرار المقاطعة، بعد أن نجحت في وقتها في تعرية نظام الصوت الواحد وأثبتت للناس ما كانت تقوله لهم من سوء مخرجاته!
اليوم لم تعد المقاطعة مجدية أزاء الاصرار على الصوت الواحد، وبما أن خيار المقاطعة لم يعد وارداً، فلذلك لا بد من المشاركة لإيقاف هذا الانحدار وفرملة انتشار الفساد، ومن ثم معالجة تجاوزات الأجهزة الأمنية، وأخيراً محاولة تغيير نظام التصويت! قد يقول قائل هذا لا يتأتى إلا بأغلبية برلمانية، فنقول مع هذا النوع من النواب عشرة من الإصلاحيين أو أقل من الممكن أن يفعلوا الكثير! أمّا الذي يقول اعتذروا أولاً، فنقول إن الذي يعتذر هو من أوصل البلد إلى هذا الانحدار، أنتم اليوم الناس تحمّلكم مسؤولية هذا الانحدار، ونحن سيشكرنا الناس غداً على إيقافه، بإذن الله! ونقول لمن ينتقد مشاركتنا نحن رأينا هذا الحل وسلكناه، أما أنت فيسعك الجلوس في بيتك تنتظر، لكننا نحن لن نتحمل الانتظار أكثر لنشاهد المزيد من الخراب لهذا البلد العزيز.