إبراهيم المليفي

لقد عزّ عليها الفتات

كل ينظر للقضية من زاويته، وفي الشأن السياسي غالبا ما ينظر للأمر من زاوية المصلحة الخاصة والضيقة جدا، قبل سنوات قليلة كانت المصلحة لدى بعض أطياف الداعمين للصوت الواحد تنحصر في أربعة أشكال رئيسة (زعامة مجلس الأمة، والتخلص ممن أزاحوا رئيس الوزراء السابق بإزاحتهم من المشهد السياسي، وجني فوائد التقرب من الحكومة، وانتهاز فرصة الوصول إلى برلمان بلا منافسين حقيقيين).

لم يمر وقت طويل حتى ابتلعت الأرض من لامسوا نجوم السماء وهوت بهم السلطة أسفل سافلين، من استفاد في أوج الحاجة له غنم ومن راهن على ثبات الحسبة أخرج من اللعبة غير مأسوف عليه.

المصلحة بأشكالها الأربعة بقيت على حالها مع استمرار المقاطعة للمرة الثانية، كان الأمل (الوهم) يدفع الكثيرين للاعتقاد أن وقوفهم مع مرسوم الضرورة له مردود شعبي في صناديق الانتخابات أو الدخول في تشكيلة الحكومة أو على الأقل الحصول على منصب رسمي رفيع، هم مساكين حقا فلا الناخب في آلية الانتخاب (المضيقة على مرشح واحد) مستعد للتضحية بابن عمه لأجل مضارب سياسي ينتظر المقابل، ولا الحكومة بوفائها المعهود تنثر الفتات على من يساندها، لقد عزّ عليها الفتات.

المؤكد هنا أن بعض أطياف المشاركين أخذ “حاصله” كاملا، قليل ربح وكثير تجرع الخيبة تلو الخيبة حتى انسحب من الملعب الضيق الذي هلّل له بلا مقعد أخضر أو مكان في الصف الأول، ويا لها من كوميديا سوداء تلك التي حصلت وما زالت تحصل، بعض من قاطعوا وعادوا أخذوا أنصبة البعض ممن شاركوا وخسروا، والبعض ممن خرجوا باختيارهم من الملعب سيعودون منتصرين بخليط من أصوات المشاركين والمقاطعين في سقوط مريع لحجة واهية ملخصها أن الصوت الواحد سيقضي على الطائفية والقبلية.

إن ما يحصل هذه الأيام من تآكل وتفتّت داخل الأسر قبل العوائل والأفخاذ، قبل القبائل والأطياف داخل الطوائف بسبب الصوت الواحد يؤكد أن ذلك النظام الانتخابي يأكل نفسه بنفسه، وبوتيرة أسرع من نظام الـ25 دائرة بصوتين، ولكن من كان همه نفسه أو تثقيل الوزن السياسي للفصيل الذي أوصله، أو مواجهة الطائفة الأخرى فإنه لن يكترث بأي مصير قادم أو آثار سلبية نتيجة مباركته لأوضاع مدمرة، لأن المهم لديه هو البقاء داخل أي حسبة في بلد لا تمارس فيه الديمقراطية ووظيفة تخليص المعاملات معا سوى داخل البرلمان.

في الختام البعض لا يزال يبحث عن أمثلة جديدة للخيبة نفسها والبعض الآخر من الشباب الذين كانوا راديكاليين في مواقفهم الحراكية نفد رصيد خبرتهم المحدود، ودخلوا الملعب الضيق بإرادتهم، نقول لهم: “فصبرٌ جميل والله المستعان”، قسم منكم سيأخذ خيبته “كاش” والقسم الآخر بالتقسيط، وتحية كبيرة للمنبر الديمقراطي والتيار التقدمي وكل من قرر مواصلة طريق الإصلاح الطويل.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *