إبراهيم المليفي

الكويت عام 1982م

تبدأ تلك السنة والفرحة تعمّ الكويت بسبب تأهل منتخبها لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا، وتترقب بأجواء مفعمة بالأمل النتائج التي سيحققها في صيف ذلك العام، مجلس الأمة عاد في العام السابق بعد خمس سنوات من التعطيل ولا يزال على قيد الحياة، الموقع الجغرافي للكويت فرض عليها القلق الدائم من تداعيات الحرب العراقية الإيرانية (1980– 1988) خصوصاً عندما تحول الموقف الاستراتيجي للجيش العراقي من الهجوم إلى الدفاع، وفي أواخر مايو سقطت المحمرة وكادت أن تلحقها البصرة في عملية “رمضان” في منتصف يونيو.

لا نزال في سنة 1982م نفسها التي شهد شهرها الثاني فبراير مجزرة حماة في سورية في زمن كان الحجب الإعلامي فيه فعالاً وجدران الرقابة سميكة ومصمتة، وما يتسرب من أخبار لا ينتشر بسرعة وجودة الزمن الحالي نفسهما، في مارس حل موعد دورة الخليج في الإمارات ومنتخب الكويت شارك بالمنتخب الرديف حفاظا على برنامج تأهيل منتخب الكبار قبل كأس العالم، ولأن الأشياء الجيدة تجد طريقها للتحقق رغم الظروف الصعبة– إن أرادت– فاز المنتخب بكأس تلك البطولة.

شهر يونيو شهد وفاة ملك السعودية خالد بن عبدالعزيز، ثم تفاقمت أوضاع لبنان الذي يعيش حربا أهلية ودولية باجتياح الجيش الإسرائيلي للأراضي اللبنانية ودخوله للعاصمة بيروت، وضمن تداعيات ذلك الاجتياح وقعت في سبتمبر مذابح صبرا وشاتيلا التي قدمت للعالم صورة متطورة وموثقة لجريمة “الإبادة الجماعية “وممارسة القتل كلعبة مسلية يجمع فيها القتلة النقاط على حساب قتلاهم، الطفل عشرة والعجوز عشرون والمهرول ثلاثون والمرأة الحامل خمسون وهكذا، لقد عرض تلفزيون الكويت مشاهد تلك المجزرة في حينها.

تلك السنة 1982م العابسة بأغلب تفاصيلها وبذورها وتراكماتها المتضخمة في حويصلات الماضي أعادت رسم المشهد العربي والإسلامي من حول الكويت المحصورة بين التزاماتها المبدئية تجاه كل ما هو عربي وإسلامي وبين الجغرافيا الخانقة التي وضعتها بالقرب من قوتين إقليميتين متصارعتين، وبين سياستها الخارجية التي تميل إلى الانفتاح وجمع الفرقاء.

الآن نأتي للسؤال المحوري: ما الهدف الآن من استرجاع أحداث الماضي؟ هل هو لتنشيط الذاكرة أو لعقد المقارنات المبرمجة للتخدير والقبول بالواقع؟ الجواب: التذكير تم بغرض طرح عدة تساؤلات أعتقد أنه من الضروري طرحها، ما الذي اختلف بين كويت 1982 وكويت 2016؟ وكيف استطاعت السلطة ومعها الناس الصمود في وجه المخاطر القريبة في مرحلة تستحق بجدارة أن توصف بأنها “دقيقة”؟ واليوم نقف جميعا على حافة الانهيار بسبب تغريدة أو تصريح أهوج من مهرج أرعن؟

هل غاب العقلاء؟ وهل كثر المغامرون والمتسلقون والمتاجرون بحب الكويت على طريقتهم الخاصة؟ بصراحة أكثر هل تلاحظون أن الموازين اختلت ودوائر اتخاذ القرار تقلصت بشكل حاد جعل الغالبية العظمى تعيش حالة المتفرج المربوط بكرسي على المدرج؟

أعلم أن الطائفية عاثت بالكويت بسبب حرب الخليج الأولى، ولكن أستحلفكم بالله هل طائفية اليوم مثل طائفية 1982؟ وهل الشعور بوجود تباغض بين المكونات الاجتماعية متأجج مثلما يحصل هذه الأيام؟ أعتقد أن الجواب واضح، ويبدو أن الثقة الزائدة، بأن “الشروخ” الناجمة عن بعض السياسات العامة ستزول مع الوقت أو تداوى بالمال، قادتنا إلى حالة التفكك المتواصل وآخرها ما حصل في الانتخابات الأخيرة.

إن الكويت واجهت طوال تاريخها مصاعب خطيرة تمكنت من اجتيازها بفضل اتساع قاعدة اتخاذ القرار والمشورة، ولا أعني هنا البرلمان فقط، ولكن حرية التعبير والرأي بشكل عام، ولم تتعثر مسيرتها إلا في الفترات التي تقلصت فيها دائرة اتخاذ القرار.

في الختام راجعوا أحداث الماضي وقيّموا مستوى الإدارة العامة وكفاءتها وعشرات الأسماء التي قادت وخططت داخل مفاصل الدولة، وقيسوا مستوى الوعي العام لدى الناس مقارنة بالأوضاع الحالية، ستجدون الكثير من الملاحظات وأكثر من الأسطر التي كتبتها هنا.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *