إبراهيم المليفي

ركلوه

كانت أمامه عدة حواجز يجب تخطيها قبل أن يصل إلى الهاوية التي سيسقط فيها لا محالة، تلك الهاوية ليست أحادية المصير كالمعتاد، بل هي نوع مفتوح على هاوية تشتمل على ضرر عام يجر معه وطنا وميراثا من التسامح تراكم عبر الزمن.

المقصود مما سبق هو أن فوز المرشح الجمهوري ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية لا يعني حقا نجاح حملته الانتخابية ومعها حزبه الجمهوري، بل يعني خسارة حقيقية لهوية أميركا وطابعها الخاص كبلد منفتح متعدد الهويات، إن ذلك المرشح الذي خاض في السياسة الأميركية بقواعده المتحررة من أي قيد دبلوماسي أو أخلاقي أو معرفي أحرج “السستم” الداخلي في الحزب الجمهوري، وفي حين كان جميع مرشحي الحزب في المراحل التمهيدية يتعاركون بالتجاذبات التقليدية، تلقفهم ترامب بلسانه السليط وانفتاحه المتواصل على “الهراء” واحدا تلو الآخر في معركة بائسة عنوانها “إما الانحطاط لقاع أحط من قاعي وإما الخروج من المنافسة” وهذا ما كان.

إن ظاهرة المرشح ترامب لا تتوقف آثارها السلبية بخسارته للانتخابات، بل ستواصل تشكلها في نماذج “ترامبية” قادمة لمختلف أنواع الانتخابات المتشعبة الأشكال في بلد كأميركا، وكل ذلك مرهون بأداء كلينتون وقدرتها على وأد الصورة الذهنية التي رسمها ترامب لمن سيجلس في البيت الأبيض.

لقد بدأ بالفعل نموذج ترامب بالتلاشي التدريجي منذ أن دخل في المعترك الانتخابي الأوسع الذي يحتاج فيه إلى جميع الكتل التصويتية التي حاربها بغرور واستخف بقدراتها، تلك الكتل والتوازنات التي أوجدت الكوابح الكلامية التي لم يعرف ترامب طريقها يوما.

اليوم وعلى مقربة من الهاوية، كسر كبار الجمهوريين وبتوقيت قاتل قاعدة الاصطفاف خلف مرشحهم لسببين رئيسين: الأول هو أن الإرث الفضائحي للرأسمالي الذي اعتقد أن شراء منصب الرئاسة دون توافر حد أدنى من التدرج والخبرة إرث زاخر لن يتوقف عند عتبة الماضي، بل سيواصل “الرئيس” بإمداده بمواد دولية مخجلة، السبب الثاني يرجع مباشرة إلى الواقعية السياسية، لقد أوصل ترامب الأمور مع الحزب الجمهوري إلى نقطة حرجة هي: “إما الحزب أو ترامب، إما انتخابات الكونغرس أو الرئاسة”.

لقد فعلها الجمهوريون مع ترامب في نهاية الأمر، عجزوا عن إيقافه من البداية ثم تركوه يتقدم حتى وقف وحيدا وجميع من تخطاهم صاروا خلفه، والآن حان وقت ركله فركلوه، إنها السياسة التي سخر منها ترامب.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *