سامي النصف

صناعة الأحلام والأوهام!

ما حدث في منطقتنا العربية بعد النصف الثاني للقرن العشرين من قيام حكومات عسكرية قمعية وحروب أهلية وخارجية متتالية وانقسامات حادة بين الشعوب هو تماما ما كان يحدث في أوروبا قبل ذلك التاريخ، حيث لم تتوقف الحروب على أرضها، وهو ما أفقرها وجعل ابناءها يبحثون عن العيش في دولنا العربية حتى في ابسط الوظائف كجرسونات في المطاعم وحلاقين.. الخ، بل عملت نساؤهم كمربيات اطفال ومدبرات بيوت في بلداننا.

****

وقد بحثت جاهدا لمعرفة كيف قبلت شعوب تمتاز بالرقي والحكمة والذكاء كالشعوب الأوروبية بأن تخدع وتقدم الطاعة العمياء لزعامات شديدة السوء والجهل واقرب للممثلين الهزليين في خطبهم وحركاتهم وغير معروفي المنبت وان ترتضي السير خلفهم من حرب الى حرب ومن دمار إلى دمار حتى النهاية؟! وقد فوجئت خلال البحث بأن الأدوات التي استخدمها هتلر وستالين ومن لف لفهما تتطابق تطابق الحافر بالحافر في الأدوات المخادعة التي استخدمها فيما بعد صدام والقذافي ومن لف لفهما في قمعهما ودمارهما وحروبهما وهزائمهما.

****

فجميعهم استخدموا عملية استحضار التاريخ القديم للتغرير بالشعوب ووعدهم بإعادة الامجاد السحيقة، كما عززوا ذلك بأفلام مخادعة شديدة الاحتراف تظهر الزعامات في صورة أنصاف الآلهة الملهمة التي لا تخطئ في القول او الاجتهاد، كما تم إخضاع الشعوب لعمليات غسل ادمغة متواصلة عبر استخدام ادوات الدعاية الموجهة تزامنا مع عمليات تجهيل واهمال شديد للتعليم والثقافة بشكل عام، وتم إرعاب الشعوب بشكل يجعلها تشعر بالامتنان الشديد للقائد الملهم والزعيم الضرورة، كونه لم يتعمد ان يستقصدهم شخصيا بالإيذاء فيما يسمى بعارض ستوكولهم.

****

ويضاف الى ذلك استمالة طبقة مفكرة ومثقفة واعلامية لامعة مع استغلال أمثل لوسائل الاعلام من صحف واذاعات وتلفزيونات كي تقوم تلك الطبقة بقيادة القطيع لصالح الطغاة وتتكفل في الوقت ذاته بإخفاء العيوب وتحويل النكسات الى انتصارات ونسيان الحاضر المؤلم لصالح المستقبل الحالم القادم «الذي لا يأتي ابدا بالطبع»، لذا لا يمكن تصور نجاح تلك الديكتاتوريات دون وجود شخصيات مثل غوبلز وهيكل وأحمد سعيد ومحمد الصحاف وغيرهم..

****

آخر محطة: (1) من وسائل التحكم في الشباب ضمن تلك الأنظمة القمعية، خلق معسكرات الشباب، فلم ينجح هتلر في شن الحرب على العالم الا بعد سنوات من اقامة معسكرات الشبيبة الهتلرية، والحال كذلك مع معسكرات قادسية صدام التي سبقت الحرب مع ايران وفيما بعد فدائيو صدام قبل حرب 2003 واللجان الثورية الشبابية القذافية.

(2) ومن وسائل التحكم في الشعوب عسكرة المجتمعات، لذا تنفرد الانظمة القمعية بالاستعراضات العسكرية السنوية، والتي تقام عند زيارة أي رئيس للبلاد.. وهل شاهد احد قط استعراضات عسكرية في دول العالم الحر الديمقراطية كالحال في واشنطن ولندن؟!

حسن العيسى

سرية التحقيق والفصل بين السلطات

التفسير المعقول، الذي أفهمه، للمادة 75 من قانون الإجراءات الجزائية في دولة القوانين غير المعقولة، بمعنى أنها قوانين تكرس هيمنة السلطة الحاكمة مع توابعها على المجتمع، وتقمع الرأي المعارض، هو أن سلطة المحقق بجعل التحقيق سرياً، وذلك بمنع نشر أي أخبار أو معلومات أو بيانات… إلخ، هي سلطة قاصرة على موضوع التحقيق، ولا تمتد إلى ظروف الوقائع وأسبابها التي يحقق فيها، وأن الغرض من النص على هذه المادة التي عدلها المجلس المبطل الأول كان منع المحقق (محقق شرطة، أو وكيل نيابة) من حرمان المحامي من حق حضور التحقيق بحجة السرية، كما كان وارداً في عموم النص قبل التعديل، فالسرية هنا يقصد بها سرية التحقيق لا سرية الحدث موضوع التحقيق.
فالمادة 75 المعدلة لم تصنع سلطات "تشريعية" للنائب العام حين أمر بمنع النشر الإعلامي أياً كانت صوره في قضية الشريط موضوع شكوى رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي المقدمة إلى النيابة العامة.
مهمة المحقق هي التحقيق في وقائع معينة قد تشكل جريمة أو لا، وفي النهاية لا يملك المحقق (هنا النائب العام أو من في حكمه) غير إحالة الأمر إلى المحكمة للفصل في النزاع أو حفظ القضية، أما رقابة الرأي العام على الأحداث السياسية العامة التي يفترض أن تمارس عبر وسائل الإعلام المختلفة، فلا يتصور أن النص السابق يمتد إليها، وإلا قلنا إن سلطة النائب العام، في جعل التحقيق سرياً هي سلطة تشريعية، تخلق القاعدة القانونية بنص عام ملزم للكافة، وهذا غير متصور، وتلك مهمة المشرعين لا القضاة، فمن حق الناس، عبر وسائل الإعلام، أن يتحدثوا في أي قضية عامة، ولهم أن يعبروا عن آرائهم فيها، ولا يصح الحجر عن هذا الرأي أو ذاك بحجة حساسية الموضوع سياسياً أو اجتماعياً، فالتحقيق في موضوع أي قضية لا يصلح أن يكون سبباً للحجر على الرأي العام، ولا يجوز أن يكون ذريعة لقبر الرأي الآخر، مهما اتفقنا أو اختلفنا معه، وهذا القدر المتيقن لمبدأ الفصل بين السلطات. هو القدر الثابت لمبدأ الشفافية، إن كنا نؤمن بهما حقيقة.

احمد الصراف

عندما تغيب الإرادة

لا يمكن أن يكون مسؤولونا بهذا العجز وعدم القدرة على اتخاذ القرار، ليس في الحيوي والواضح من الأمور فحسب، بل وحتى في أصغرها، فلا بد أن هناك شيئا أو سببا آخر يمنعهم من التصرف، فهذا التراخي أو العجز غريب وغير مسبوق، وربما يعود السبب لشعور المسؤول بأنه غير مجبر على العمل أصلا، فإن أصاب فلا شكر وإن خاب فلا عقاب. وبالتالي انحصر العمل تقريبا في قلة من الموظفين الشرفاء، أما البقية فهي إما لا تعمل أصلا أو تعمل إن رأت في ذلك منفعة شخصية لها، وهذه الفئة هي التي يتزايد عددها يوما عن يوم!
تعاني الكويت منذ سنوات مشكلة تتعلق بكيفية التخلص من تراكم ملايين الإطارات المستهلكة لديها، وضياع مساحات شاسعة من الأراضي لتخزينها، هذا غير اضرارها البيئية والأمنية، خاصة عندما يقوم «أشباح»، المرة تلو الأخرى بإشعال النيران فيها، مسببين تلوثا رهيبا في دولة صغيرة المساحة.
إن الكويت لا تنفرد بهذه المشكلة بالطبع، إذ سبق ان واجهتها دول العالم أجمع، وجميعها تقريبا نجحت، بطريقة او بأخرى، ليس فقط في التخلص من المشكلة، بل والاستفادة منها وتحقيق أرباح من إعادة تدويرها في صناعة أو اخرى، إلا نحن الذين اكتفينا بتجميعها، وبناء جبال سوداء مقرفة منها، بانتظار من يشعل النار فيها!
المسألة لا تحتاج الى عبقرية ولا الى جهود ودراسات معمقة، بل الى قرار، فهناك جهات عدة على استعداد، فور حصولها على الدعم المعنوي والمادي اللازم، القيام بمهمة معالجة المشكلة بطرق فعالة عدة.
كما أن بإمكان الدولة نفسها، عن طريق البلدية، أو اي جهة أخرى معنية بالبيئة، صرف مبلغ لا يزيد كثيرا على المليون دينار، واستيراد آلات التقطيع العملاقة، والتخلص من كل كميات الإطارات خلال أقل من عام واستعادة ملايين الأمتار من الاراضي الضائعة في تخزينها، والقضاء على مشكلة الإطارات مرة واحدة وإلى الأبد!
وعليه، من المستغرب أن نرى كل هذا التقاعس والتأخير في التخلص من كل هذا الكم من الإطارات التي لن تختفي، أو تتبخر من نفسها، بل هي بازدياد مستمر، والمشكلة طبعا مرشحة لأن تكبر أكثر.
الغريب أن لا رئيس الحكومة، ولا وزير البلدية، ولا أي جهة أخرى كلجنة البيئة في مجلس الأمة، تود مساءلة مدير عام البلدية وسؤاله: ليش ساكت؟ ولماذا لا تتخذ قرارا بخصوص هذه الإطارات، والحلول أمامك معروفة ومتوافرة؟ وماذا تنتظر؟.

أحمد الصراف