محمد الوشيحي

قلمات

عنوان هذه المقالة سيكون ثابتاً، جذره في الأرض وفرعه في السماء، كل اثنين من كل أسبوع. وستكون المقالة “الاثنينية” عبارة عن فقرات قصيرة، لا علاقة لفقرة بأخرى، فلكل فقرة مصرفها الخاص بها ومشربها الخاص بها، ولن أسمح لفقرة قوية أن تستضعف فقرة ضعيفة، وكله بالقانون. متابعة قراءة قلمات

حسن العيسى

الهويات القاتلة

بعد أيام قليلة ستصادف ذكرى العشرين عاماً على مذابح الحرب الأهلية برواندا، التي قد تعد أشد المذابح وحشيةً في التاريخ الإنساني، حين كان مقاتلو قبائل الهوتو يذبحون أطفال "توتسي" أمام آبائهم بتقطيع أوصالهم قطعة قطعة ثم رميها على الوالدين، ثم ينهي القتلة مهمتهم بقتل الوالدين بطريقة أبشع "الايكونومست العدد الأخير"، ونقلت وسائل الإعلام صوراً لجماجم بشرية لضحايا تلك المذابح رُصَّت على أرفف مثلما تُرصُّ البضائع الاستهلاكية عندنا في الجمعيات التعاونية، تركوها هكذا لتذكِّر الناس ببشاعة الحروب الأهلية "المرجع السابق". اليوم رواندا تحقق أعلى معدلات التنمية في القارة بنسبة 8 في المئة بقيادة ضحايا الأمس من "التوتسي"، ورغم أنهم المستفيد الأكبر فإن الآخرين "هوتو" لم يُستبعَدوا من خيرات التنمية.
 مثلما شاهدنا الجماجم المرصوصة في المتحف الرواندي، رأينا في سورية صوراً مشابهة لوحشية الروانديين من عصابات الهوتو، إذ نُشِرت صورة أحدهم وقد قطع رؤوس أعدائه وعرضها أمامه، وكأنه يبيع بضاعة يسهل نقلها وتداولها كما نرى باعة البطيخ هنا على مفترق الطرق، وشاهدنا صوراً أبشع لأطفال مختنقين من كيماوي السلطة قبل أشهر، ونقلت وسائل كثيرة أخباراً عن قناصة النظام يقنصون النساء الحوامل في مناطق الحرب، ويراهن القناصة بعضهم بعضاً على إصابة الجنين في بطن أمه… وحشية مرعبة لنظام السفاح الأسد، قابلتها وحشية مهووسين طائفيين مغيبي الوعي الإنساني مثل عصابات "داعش" ومن على شاكلتها.
المقاربة المحزنة بين سورية اليوم ورواندا 1994 أمر واقع، لكنهم في رواندا تجاوزوا المحنة وسبقوا غيرهم في مضمار التقدم  الحضاري، فهل يستطيع الإنسان العربي أن يتجاوز محنة الهويات القاتلة؟! هل يستطيع أن يتخطى هويته الطائفية والعرقية والقبلية وانتماءاته لها المقدمة على الانتماء للوطن بعد عشرين أو ثلاثين عاماً من الآن؟ قد نجد الإجابة في التجربة اللبنانية، مثلاً، وما إذا كان اللبنانيون قد تخطوا دولة الهويات، وذكرى مذابح حربهم الأهلية ومشاهد صبرا وشاتيلا مازالت تنبض في الذاكرة، الإجابة اللبنانية قاطعة بالنفي. لنترك لبنان الهويات الطائفية، ونطالع ما حدث في "أسوان" مصر وهي من أقدم أمم التاريخ قبل ثلاثة أيام، حرب قبلية – عائلية قتلت العشرات في ساعات قليلة.
  لِنَقُل، بكل يأس، إن الجراثيم الداعشية تحيا في اللاوعي العربي بصرف النظر عن الهوية الطائفية أو القبلية، سواء تشكّلت هذه الجرثومة في مقاومة النظام الحاكم مثل نظام بشار، أو عششت في النظام الحاكم ذاته كالنظام الأسدي وغيره من القابعين على سدة الحكم. لماذا تحيا ولا تموت تلك الجراثيم عندنا ونبقى في أماكننا نراوح عاجزين عن خلق الانتماء للدولة – الأمة وهوية الانتماء للأرض وهو الوطن؟ تفحصوا ثقافتكم وتراثكم لا أنظمة الحكم فقط فهذه وليدة ثقافتنا وصناعة محلية كاملة وليست نتائج استعمارية قديمة فقط، فلعلكم تجدون الإجابة.                                                    

احمد الصراف

ملعقة الوزراء الذهبية

“>أكتب مقالي هذا من اليابان، بعد أن وصلت اليها على الإماراتية، ومن الطبيعي أنه لا هي، ولا الإماراتية تركا لدي مجالا لنقد شيء، وسنكتب عن انطباعاتنا في الأيام القادمة!
كتب الزميل وليد الجاسم مقالا في «الوطن» تطرق فيه، بألم، الى الوضع المخجل لكثير من مرافق الدولة، ومنها بوابة دخول القادمين الى مبنى المطار التي شبهها بباب ملحق للإيجار، وبما يجده المسافر بعدها من تكدس عشرات طالبي الإقامة، أو «الأيانب»، الذين تغيرت ألوان وجوههم من شدة الزحام والتوتر بانتظار استلام تأشيرة الدخول واضطرار الجميع، حسب وصفه، لممارسة كم كبير من ضبط النفس، وفي وضع ابعد ما يكون عن الإنسانية. وقال انه اضطر الى أخذ ابنه الى دورة المياه، وهناك اكتشف أنها تشبه حمامات بيوت عزاب بنيد القار، وأن مستواها أقل من نظيرها في أي مخيم. وأنه تحسر كثيرا على الكويت، التي بلغ بها العجز بحيث أصبحت غير قادرة على بناء دورة مياه محترمة. وقال انه مسح وجه ابنه بالماء، ومسح دمعتين غلبتاه، وتساءل بحسرة عما ينتظر ابناءه في القادم من الأيام! وختم مقاله بأنه لو كان مسؤولا لمنع الوزراء من السفر عبر قاعة التشريفات، ولألزمهم بأن يعيشوا حياة المواطنين ويذوقوا معاناتهم!
تذكرت كلمات صديقي وزميلي الجاسم وأنا أستخدم حمام وصالة الإماراتية في مطار الكويت، وتساءلت عن كيف استطاعت بناء صالة جميلة وحمامات نظيفة في مطارنا وعلى أرضنا ولم نستطع نحن أن نفعل ذلك؟ ولماذا قمنا بتأجير صالة التشريفات السابقة للإماراتية بدلا من تخصيصها لركاب الكويتية مثلا؟
أعلم أن مدير المطار، السيد فواز الفرح، يبذل الكثير لرفع مستوى الخدمة فيه، ولكنه يبقى جزءا من دولة متآكلة في مستوى خدماتها، بعد أن عشش الفساد في مرافقها، وأصبح الصرف السليم على الخدمة السليمة سلعة نادرة، وبالتالي ليس غريبا أن جو العمل في الكثير من المرافق مشحون بالتوتر والسلبية وقلة الاكتراث والإحباط. فهؤلاء الوزراء الذين يطالب الزميل الجاسم بإجبارهم على السفر في الطرق العادية ليروا معاناة بقية المواطنين، لم يولدوا وفي افواههم ملاعق من ذهب، بل سبق لهم أن مروا عشرات المرات بتلك المرافق، قبل أن يصبحوا وزراء، واشتكى بعضهم من تدني مستواها، وسيمرون بها بعد خروجهم من الوزارة، ولكن غالبيتهم، يا صديقي، لم يكترثوا يوما، ولن يكترثوا، لأنهم يعرفون أنه لا حساب ولا ثواب، فلم العمل، ولم الاهتمام؟.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com