طارق العلوي

تميم.. والسرب!

أثلج قلوبنا صاحب السمو أمير البلاد عندما رفض ان ينحاز لهذا الطرف أو ذاك في «النزاع» الخليجي.

سحب السفير السعودي من قطر جزء من سيناريو مرسوم، وليس كما يرى البعض، بأنه رد فعل متعجل.

القصة بدأت مع القلق السعودي-الاماراتي، عندما ساهمت رياح الربيع العربي في ارتفاع مد «الاخوان المسلمين»، وتمكنهم من القرار السياسي على رقعة أكبر من الخارطة العربية.

ربما كانت هناك أمنيات بأن يظل هذا التأثير «بره وبعيد» عن دول الخليج العربي، لكن الوضع تغير تماما بعد مطالبات قدمها أعضاء في جمعية الاصلاح والتوجيه الاجتماعي في الامارات، والتي رأى المؤيدون لها أنها مطالب اصلاحية، بينما رأى المعارضون أنها بداية دعوة صريحة للانقلاب على النظام.

ومثل الامارات، ظهرت أصوات في السعودية تطالب بالمحظور.

منذ ذلك الوقت، عقدت هاتان الدولتان العزم على تجفيف منابع «الاخوان المسلمين»، ليس محليا فقط، وانما اقليميا وعالميا.

كانت قطر قد سبقت بقية دول الخليج في اقتناص التغيرات في مزاج الشارع العربي، لبسط نفوذها السياسي على عدد أكبر من الدول العربية، عبر ذراعها الاعلامية «الجزيرة»، بالاضافة للمساعدات المالية.

واعتبرت قطر هذه التحركات أمرا مشروعا وجزءا من سياسة طموحة لتحويل القرار القطري الى رقم صعب في المعادلات الدولية.

السعودية من جانبها، كانت ترى الأمور من زاوية مختلفة، ولم يعجبها ما كانت تراه.فقد كانت تنظر الى قطر على أنها دولة «مشاكسة»، لا تعي عواقب أفعالها، الا أنه مازال بالامكان «احتواؤها» في البيت الخليجي.

ما لا شك فيه ان السعودية والامارات كانتا تدرسان عن كثب الوضع في مصر، خلال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، لتحديد أفضل الوسائل للتعامل مع خطر الاخوان المسلمين.. عندما يحين الوقت المناسب.

وحان الوقت في 3 يوليو، عندما عُزل الرئيس محمد مرسي.فقام الجيش المصري مباشرة بسلسلة من الخطوات «الوقائية»، منها القاء القبض على القيادات العليا والوسطى من «الاخوان»، لضمان عدم قيام أي تحرك مضاد و«منظم» ضد النظام الجديد.. اغلاق القنوات الاعلامية التابعة أو المتعاطفة مع «الاخوان».. تعاون أجهزة الدولة ابتداء من الداخلية وانتهاء بالاعلام لتكريس فكرة «الاخوان مصدر الارهاب» بين المواطنين.

مثل هذه الخطوات لم تكن لترى النجاح لولا التعاون الوثيق، ماديا ومعنويا، والتنسيق بين قيادة الجيش المصري وحكومتي السعودية والامارات.

وها قد وصل الوضع الآن الى نقطة «مفصلية»، مع اقتراب موعد الانتخابات المصرية، وبقيت اللمسة الأخيرة، في التأكيد على ان القيادة المصرية الجديدة، سواء المشير عبدالفتاح السيسي أو غيره، قادرة ليس فقط على فرض الأمن، وانما على النجاح فيما عجز «الاخوان» عن تحقيقه، ألا وهو النهوض بالاقتصاد المصري، وتوفير مزيد من الخدمات والوظائف للمواطنين.

وهنا جاء الدور الاماراتي، بالتنسيق مع الجيش المصري، في الاعلان عن مشروع ضخم لتوفير مليون وحدة سكنية للمصريين.ويُتوقع ان تتبع هذه المبادرة مبادرات تنموية أخرى، بالتعاون مع السعودية، لترسيخ فكرة ان مصر بدون «الاخوان» ستكون أفضل حالا.

وترى القيادتان، السعودية والاماراتية، ان هذا السيناريو يسير بسلاسة، لولا «المشاغبة» القطرية، بين الفينة والأخرى، من خلال «الجزيرة»، التي تكاد تكون الصوت الوحيد لـ«الاخوان» والمعارضة في مصر.

لذلك فقد قررت السعودية، ومعها الامارات، ان الوقت قد حان للتصدي بحزم للتحركات -التي تعتبرها غير مسؤولة- من الجانب القطري، وأن توضع هذه الدولة «المارقة» أمام خيارين لا ثالث لهما: فاما ان «تعود الى السرب» الخليجي.. واما ان تواجه عقوبات أقسى في المرحلة القادمة.

وهنا ترد قطر بأنها قد استثمرت كثيرا في سياستها الخارجية، وحققت موطئ قدم، يفوق الدول الخليجية الأخرى، وهي ليست على استعداد للتضحية بكل انجازاتها، والعودة الى نقطة البداية في العلاقة مع «الشقيقة الكبرى».

من ذلك، يتضح حجم التحدي الذي يواجه صاحب السمو أمير دولة الكويت، في وساطته بين الفرقاء، وأهمية اصرار سموه على ان تقف الكويت على الحياد -ما استطاعت- كي تساهم في رأب الصدع.

المسألة هنا ليست «الاخوان المسلمين»، فهذه قضية واحدة من ملفات عديدة.لكن المعضلة الحقيقية، التي تحاول الكويت الفصل فيها، هي في تحديد ملامح «آلية عمل» مجلس التعاون: فهل تعتبر السياسة الخارجية حقاً سيادياً للدولة؟.. أم أنها جزء لا ينبغي ان يكون معاديا للمصلحة العامة التي يراها «الكبار» في السرب الخليجي؟!

.. وما قد تتمخض عنه الوساطة الكويتية سيصبح معيارا وقاعدة تنطبق على بقية دول الخليج في المرحلة القادمة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *