طارق العلوي

أبو حلموس.. الخرافي!

«حدوتة» صغيرة تستحق ان نرويها لكم..
يُحكى ان رجلا انجليزيا يُدعى السير نورمان فوستر، وهو خبير عالمي يشار إليه بالبنان في التصميم المعماري.
كان السير فوستر قد أنهى للتو تصميم مطار «الملكة علياء» الدولي في الأردن، الذي حاز تقييماً كأحد أفضل المطارات في الشرق الأوسط، فيما يتعلق برضا المسافرين وجودة الخدمات.

استرخى فوستر في الليموزين السوداء المظللة، وهي تنقله من مطار الكويت الى الفندق في العاصمة، وأخذ رشفة من كأس العنب الأحمر المعتق من نوع «عاداتنا وتقاليدنا»، ثم غرق في أفكاره وتساؤلاته.
.. مبنى للركاب في الكويت (ونكرر مبنى ركاب، وليس مطارا متكاملا) عبارة عن نسخة تكاد تكون «قص ولزق» من المطار الأردني.. مع الفارق ان المبنى الكويتي المزمع انشاؤه يستوعب «ضعف» عدد ركاب نظيره الأردني.. المطار الأردني طاقته الاستيعابية 7 ملايين مسافر (ويمكن توسعته الى 13 مليونا).. بينما الكويتي يسع 12 مليون مسافر (ويمكن توسعته الى 25 مليونا).
***
كان الخبير متعبا من رحلته الطويلة، الا ان ذهنه مازال صافيا ومتوقدا كعادته. الأرقام بسيطة وهي تضيء بمخيلته. مطار الأردن تكلف 200 مليون دينار تقريبا.. لذا كان متوقعا ان يتكلف مطار الكويت «ضعف» هذا المبلغ.. أي 400 مليون دينار.. وان شئنا ان «نبحبحها حبتين ونزيد الكيلة للطيبين»، رفعنا المبلغ الى 500 مليون دينار كويتي!
بقدرة قادر، وبفضل الجهود الحثيثة لناظر العزبة (وزارة الأشغال)، وفي غياب مسؤولي «الطيران المدني».. لحاجة في نفس ناظر العزبة، تم وضع الكثير من المواصفات المبالغ فيها والاضافات غير المبررة.. لتقفز تكلفة المبنى الى 900 مليون دينار كويتي (شاملة الأرباح والعمولات.. وما يُخدم بخيل)!
***
900 مليون دينار.. تكفي وزيادة لبناء «أجدعها» مبنى ركاب في الكويت، ول«تدسيم شوارب» كل أصحاب العلاقة -ان دعت الحاجة، ابتداء بالمقاول وانتهاء بموظفي الوزارات الذين «يعينون ويعاونون».
طُرحت المناقصة، وتنافس عليها مجموعة من الشركات.. وكانت المفاجأة ان أقل الشركات قدمت عرضا بقيمة.. مليار و400 دينار! (أي بمليار دينار زيادة عما يستحقه المشروع الأصلي).
***
قد يتساءل كثير من المواطنين.. هل يُعقل ان تتمكن شركة حائزة مناقصة من تمرير عرضها بزيادة وقدرها %40 على الأسعار التي وضعها ناظر العزبة (والذي كان أصلا مبحبحها عالآخر)؟
ولمن أراد فهم هذه «الشطارة والفهلوة»، فعليه مشاهدة الفيلم الخرافي.. «أبو حلموس». حيث يحاول ناظر العزبة، عباس فارس، تمرير طلاء حجرة من الفيلا بمبلغ قدره 92 جنيها.. وهو مبلغ خيالي في حينها!
فاستوقفه موظف الحسابات «الغلباوي»، نجيب الريحاني، وأرشده الى طريقة تجعل هذا المبلغ «الخرافي» مبلوعا.. قائلا: «حطها كالآتي.. كحت البياض القديم للحجرة يكلف كذا.. صنفرة الحيطان بعد الكحت كذا.. تقطيب الخروم والثقوب كذا.. تلييس الحيطان بعد التقطيب كذا.. دهان أول وش كذا.. دهان ثاني وش كذا.. دهان ثالث وش كذا.. وبعد كده مش يقيد 92 جنيها بس.. ده يقيد 192 جنيها كمان»!
وهكذا قفز «الأرنب» من 400 مليون.. الى 500 مليون.. ثم الى 900 مليون.. وبعدها الى مليار ورُبعمية مليون جنيه مصري.. عفوا دينار كويتي.
***
ازاء الغضب الشعبي من الأسعار الفاحشة للمناقصة، برر بعض المغردين، المحسوبين على رئيس السنن الحميدة، المبلغ «الخرافي» الذي سيتقاضاه المقاول، بأن أسعار مواد البناء ارتفعت!
قهقه الخواجة فوستر وهو يستمع لهذا العذر، ولسان حاله يقول: «ماحنا دافنينه سوا»!.. إذ إن مواد البناء.. والأيدي العاملة.. والمعدات، كلها تأتي من الخارج، وأسعارها معروفة عالميا ولم ترتفع، بل انخفض بعضها مع نزول سعر برميل النفط.
لذا أوصت اللجنة الفنية المشكلة من الوزارة، بإلغاء المناقصة لأسباب عدة أهمها: الارتفاع الفاحش في عرض الشركة الفائزة.. ومخالفة المواصفات الفنية المطلوبة.. وتعمد وضع أسعار عالية لبنود الأعمال الأولى، للحصول على دفعات عالية عند بداية المشروع!
***
سمردحة: تهقون كلام اللجنة الفنية اللي راح يمشي، والا كلام الوزير اللي قال للمواطنين: «عيب عليكم، انها حقا شركة.. «محترمة».
.. يبيّن يوم الأربعاء!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *