تعال نأخذها من قصيرها. لو قالوا: “لك الحق في اختيار البلد الذي تتمنى أن تكون أحد مواطنيه، من بين هذه البلدان؛ روسيا أو الصين، كأنظمة شيوعية، أو المملكة السعودية، كنظام إسلامي سني، أو إيران، كنظام إسلامي شيعي، أو بريطانيا، كنظام ديمقراطي رأسمالي مفتوح؟”، أيها تختار؟ متابعة قراءة ماهو نظامك؟
الشهر: يناير 2014
فاتنة بغداد وصالح أفندي!
بالأمس وقبل الامس تطرق الزميلان العزيزان يوسف عبدالرحمن وخليفة الخرافي ضمن مقاليهما الشائقين الى المطربتين العراقيتين لميعة توفيق ومائدة زهت صاحبة الاغنية الشهيرة «دار ما دارك عبر فيلكا احلى الجزر»، اذا أحلى الجزر ليش تم تهجير أهلها منها؟
والحقيقة ان احدى نتائج ما قام به صدام حرمان الكويتيين من أمرين أولهما النكتة العراقية التي هي في العادة أحدّ وألذع وبالتبعية اكثر إضحاكا من النكتة المصرية، وثانيهما حرماننا من الطرب العراقي الأصيل الذي يشنف الاذن ويفرح القلب وان احتوى على المدة العراقية المعتادة كحال «يا حية يا أم راسين طبي بجدرهم سميلي اهل البيت وخلي ولدهم» و«يضربني طول الليل بالخيزرانة روحوا اسألوا الجيران شمسوية انا» وهذا الحب والطرب ولا بلاش!
***
ولدت المطربة عفيفة «تريزا» اسكندر – عام 1921 اي في نفس عام مولد ناظم الغزالي الذي توفي عام 63 والذي هو زوج المطربة سليمة مراد باشا، وباشا رتبة اعطيت لها وليس لوالدها وسليمة مراد صاحبة اغاني «هذا مو انصاف منك» و«يا نبعة الريحان» و«قلبك صخر جلمود»، وقد اشتهرت عفيفة اسكندر بالجمال والذكاء والاخلاص والثقافة الشديدة، فقد كانت تتكلم بطلاقة 7 لغات، كما انها خرجت حافية كاشفة الرأس تولول وتبكي عند مقتل بكر صدقي عام 37 لمحبتها له، وقد توفيت عفيفة اسكندر عام 2012 عن 92 عاما بعد ان جار عليها الزمن وكانت حادة الذكاء والقدرة على الكلام المنطقي حتى آخر أيامها.
وقد اتهم الرئيس عبدالسلام عارف، عفيفة اسكندر بالشيوعية وانها كانت تدفن قتلاهم في حديقة منزلها كي لا يتعرف عليهم الحرس القومي البعثي فيؤذي أهاليهم، كما توفي قبل مدة قصيرة المطرب الشيوعي العراقي البصري فؤاد سالم صاحب اغاني «ما أحلى هاليعون» و«مشكورة» وقبله المطرب النجفي ياس خضر صاحب اغاني «اعزاز» و«مرينا بكم حمد» وهي من كلمات الشاعر مظفر النواب وقبلهم المطرب سعد الحلي، كما اعتزل الغناء مطرب الناصرية حسين نعمة واتجه الى الفنون التشكيلية، اما المطرب د.البغدادي سعدون جابر، فقد قضت عليه اغنية غناها إبان الغزو نصرة لصدام عنوانها «يا شعبنا اليعربي مكة وبيت النبي» كما اعتزل المطرب البغدادي د.فاضل عواد احمد الجنابي الغناء وتفرغ للتدريس وهو صاحب اغان شهيرة مثل «لا خبر» و«يا نجوم صيدني قلايد» ولم يبق إلا المطرب الموصلي كاظم جبار ابراهيم الشهير بكاظم الساهر وهو شيعي المولد قومي الهوى حتى انه سمى ابنه بعمر كحال الزميل حسن العلوي الذي اشتهر عام 89 بأغنية «عبرت الشط» وما اجمل الغناء العراقي الشجي كلاما وألحانا وغناء!
***
آخر محطة: (1) بث تلفزيون الشرقية العراقي لصاحبه الزميل سعد البزاز مسلسل من 30 حلقة عن عفيفة اسكندر اسماه «فاتنة بغداد» وضمنه علاقتها بالملحن الشهير صالح الكويتي الذي بلغ من حساسية المحطة ان شوهت التاريخ وغيرت اسمه الى «صالح افندي» وكلمة افندي لا تعني شيئا بينما اطلقت اسرائيل اسمه واسم شقيقه داود على احد أهم شوارع تل ابيب دون حساسية من اسم.. الكويتي!
(2) ولد صالح (1908ـ1986) وداود (1910ـ1976) في الكويت وعاشا فيها قبل انتقالهما لبغداد لدراسة الموسيقى حيث استقرا هناك واصبحا اشهر ملحنين فيها ولحنا حتى لأم كلثوم وعبدالوهاب وفتحية أحمد وهم اشهر مطربي مصر في ذلك الوقت، ومن الأغاني الشهيرة والتراثية الباقية لهم «فوق النخل فوق» و«خدري الجاي خدريه» و«قولي يا حلو» وألف لحنا آخر، وهاجر لإسرائيل عام 1950 بعد عمليات التعدي على اليهود العراقيين وانتشار ظاهرة «الفرهود» وظلا يلحنان الأغاني العربية لاذاعة اسرائيل.
(3) نرجو ان تقوم الحكومة ووزارة الصحة بالعناية ورد الجميل للمايسترو الذهبي الأستاذ الكبير محمد سعيد البنا الذي اطربت ألحان اغانيه الكويت لمدة نصف قرن ،ام ان الجحود ونكران الجميل اصبحا صفة لاصقة وسائدة بالبلد وحكومته؟! كفو.
أين الغريب في موقف الحكومة؟!
انتصرت حكومة الحصافة ممثلة بالإعلام والداخلية لرغبات النائب في مجلس السلطة الواحدة السيد محمد الجبري بأن منعت أمسية جلال الدين الرومي، ولم يكن غريباً أن تُمنَع مثل تلك الندوة من قِبل السلطة، بل إن الغريب حين تصرح بعكس رغبات النواب المتدثرين بالأردية الدينية المحافظة المؤيدين في السراء والضراء للسلطة الحاكمة بالصوت الواحد المحتكرة للثروة القومية، فلم يحدث في تاريخ الدولة – إلا- على سبيل الاستثناء، أن تصدّت السلطة لنواب لم تكن مهمتهم إلا قبر كل محاولات "بدع" الانفتاح الفكري على الغير أو الاطلاع على ومضة نور روحية أو عقلية من التاريخ الإنساني، ولا يبدو أن شيوخ الدولة أو مشايخها المحافظين يعرفون من هو "جلال الدين الرومي" وليس لهم أي اطلاع على الفكر والشعر الصوفيين ومساهماتهما في الفكر الإسلامي خاصة والعالمي بصفة عامة، فهذا يعد نوعاً من "الترف العقلي" ليس "للأصولوية" السلطوية المحافظة أن تكترث له.
السلطة المتغلبة تاريخياً، لم تكن تحكم بعصا القوة فقط، بل كانت دائماً تستند في مشروعيتها إلى "مثقفيها" الذين كانوا، عادةً، من فقهاء الدين، يبررون "شرعية" السلطة ويسوغون أفعالها دينياً مهما بلغت من طغيان، فعند مثقفي السلطان لا بد أن يكون هناك "نص" شرعي يسوغ حكم الخليفة، فإن لم يوجد فلا مانع من خلقه أو تأويل القائم من نصوص، واليوم في عصر التنوير النفطي "المظلم" تطورت الأمور، فلم يعد هذا الفقيه من أهل الدين فقط، بل أخذ ينافسهم فقيه أهل الدنيا، من جماعات "مثقفي السلطان" الذين يملأون جُل وسائل الإعلام ودور النشر بثقافتهم الكسيحة في دولنا، وشاهدنا عينات مخزية لتلك الفئة في مواقف كثير من اليساريين والليبراليين من انقلاب يونيو في مصر، أو عينات ثانية، هنا، من كُتاب الصوت الواحد الذين يرددون عبارة "الشيوخ ابخص" بعد أن يضعوها في كأس تنويري مغشوش ليشرب منه أهل الجهل حتى الثمالة.
ختاماً، لنقر بأنه، من ناحية، لم يشذ محمد الجبري في معارضته لندوة جلال الدين، فهو، قدم الدور المطلوب منه "شعبوياً" فلا، هو، ولا شيوخه يكترثون، آخر الأمر، لجدواها أو موضوعها، يكفيهم أنهم يسبحون مع التيار، والندوة لن تزيد أو تنقص من حصيلة قناعاتهم الخاصة وثرواتهم الفكرية، ومن ناحية أخرى، لم يكن مُجدياً أن يتحدى أعضاء التحالف الوطني الأمرَ الحكومي بالمنع ليقيموا الندوة، فليست هي "قضية" كبرى للحريات أن يدرك الناس من يكون الرومي، بل القضية هي مدى انتصار جماعة التحالف لقضايا الحريات بكل صورها، سواء حرية الاطلاع على فكر الرومي على سبيل المثال، أو الحرية السياسية للاعتراض والتظاهر السلميين ضد الانفراد بالسلطة، ورفض كل صور القمع للمعارضين أياً كانت هوياتهم الفكرية.
يوم قُتِل العاملان.. عمداً!
عندما كنت في بيروت في بداية السبعينات، وتصادف مروري في صباح ربيعي جميل بحشد من المارة والسيارات التي أغلقت الطريق، وكان الجميع ينظرون الى شخص يقف على حافة بلكونة في الطابق الرابع من فندق رخيص، مهدداً برمي نفسه، منتحرا! وكعادتي، لم أقف، غيّرت اتّجاهي، وذهبت لحال سبيلي. وفي اليوم التالي كان خبر انتحار ذلك المسكين على صدر صفحات الصحف، فقد كان لبنان أقل انشغالا وقتها بأخبار القتل والتفجير، وحادثة انتحار كتلك كانت تأخذ حيزها من الاهتمام. تبين أن الرجل، الذي نفّذ تهديده ولقي حتفه، كان «تاجر شنطة»، قبطي مصري، اضطربت احواله المالية فلم يجد بداً من التخلّص من حياته. الطريف، او المحزن في الموضوع، أنه لم يكن جادا في محاولته، فقد وقف على طرف الشرفة لأكثر من 4 ساعات، قامت خلالها الشرطة بإرسال رجل دين قبطي ليقنعه بالتخلي عن محاولته، لأنها ضد العقيدة، ولكنه لم ينصت اليه! وعندما أرسلوا إحدى فتيات الليل لتبين له مباهج الحياة وما سيفقده إن انتحر، كان مصير محاولتها كمصير محاولة الكاهن، واستمر في كتابة الرسائل لزوجته وأبنائه، والقائها على المارة، طالبا منهم إيصالها الى سفارة بلاده. ولكن بعد فترة تعب «الحضور الكريم» من الانتظار، وأرادوا نهاية للمسرحية، فتعالت أصواتهم مطالبة الرجل إما بالانتحار واما الانسحاب، وصدرت منهم شتائم ووصفوه بالجبان، ويبدو أن المسألة «كبرت برأسه» فرمى نفسه ليتحطم على اسفلت الطريق! وعبر مانشيت «النهار» في اليوم التالي أصدق تصوير لما حدث، حيث وصفت مأساة الرجل بقولها: «لقد انتحروه، ولم ينتحر»! فان يقف ذلك الرجل لأربع ساعات على طرف الشرفة دليل على تشبثه بالحياة، ولو لم يستفزه المارة، لربما تعب من الوقوف، وعاد الى غرفته!
تذكرت تلك القصة عندما قرأت خبر وفاة اثنين من العمال تحت انقاض بيت الشيخ خزعل بن مرداو، شيخ المحمرة، وصديق عمر الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي بنى قصره بجانب قصر صديقه، حيث مات العاملان وهما يحاولان ترميم مبنى القصر المتهالك! المشكلة أن ذلك المبنى القديم، أو ما تبقى منه، كان معرّضا للانهيار التام، وكان الدخول له مشروع انتحار، فقد تأخر ترميمه لنصف قرن، على الأقل! وبالتالي، فإن العاملين المسكينين، على الأرجح، لم يموتا تحت الأنقاض، بل قُتلا.
ويبدو واضحا أن ما حصل للعاملين وللقصر، من ترك الأمور لكي تتفاقم، تشبه – تماما – قضية «البدون» التي تركت لأربعين عاما من دون حل حتى تفاقمت واصبحت صعبة الحل جدا. وتأجيل الحلول سياسة حكومية معروفة منذ سنوات طويلة! فلو اتخذت الحكومة قرارها في ستينات القرن الماضي، وحلت مسألة «البدون»، لما وصلت الحال بنا وبهم الى هذا الوضع المأساوي. ولو رمم قصر الشيخ في الوقت المناسب لما مات العاملان تحت أنقاضه، ولو كان لدى مسؤولينا الرؤية الواضحة، لأزالوا المبنى من أساساته وأعادوا بناءه بطريقة صحيحة، في موقعه وبتصميمه نفسيهما، وجعلوه متحفا جديرا بالارتياد، كما حصل مع مبنى المستشفى الأميركاني!
أحمد الصراف
هكذا نمارس العمل السياسي
يستنكر البعض على الحركة الدستورية الإسلامية أن تصدر من بعض المحسوبين عليها بين فترة وأخرى مواقف تتناقض مع ما هو معلن او معروف عنها! ويستكثر علينا ان يكون لدى رموزنا اكثر من رأي في القضية الواحدة تصدر منهم بشكل شخصي، والحقيقة أننا بالحركة نستوعب تعدد الآراء، وهو ما لا يفهمه الكثير من خصومنا السياسيين الذين تعوّدوا على الرأي الواحد! فتجدنا حتى في القضايا الرئيسية نختلف بالرأي قبل أن يصدر منا القرار الأخير، والذي يأتي بعد الحوار والنقاش الذي يصل أحياناً إلى درجة الملل! هذا الوضع جعل بعض المتصيدين للأخطاء يدندنون لبعض التصريحات والآراء التي صدرت مني مؤخرا بشأن ثنائي على بعض الجوانب في شخصية رئيس الوزراء، أو تمنياتي للحكومة الجديدة بأن تحقق للمواطن الرفاهية وترسّخ مبادئ العدل والمساواة بين المواطنين! وهي آراء لاشك أنها صدرت بشكل شخصي، لا تمثل إلا كاتبها، إلا أن البعض أراد أن يصبغ بها الحركة الدستورية، كونها صدرت من شخص له موقع في هذه الحركة، ولعل آخر هذه الأمثلة ما صدر بالأمس من تصريح للأخت الفاضلة خولة العتيقي بشأن تولي امرأة لمنصب رئيس الوزراء، أو ذكرها بتحفظها على بعض ما ورد في مقدمة برنامج المعارضة المقترح! وواضح أن هذا رأي شخصي للأخت الكريمة، فكلنا يعلم أن موضوع تولي امراة لمنصب رئيس الوزراء غير مطروح حتى عند التنظيمات الليبرالية! وكذلك ما ذكرته بالنسبة لرأيها بمقترح المعارضة. إنها أيها الإخوة حرية التعبير التي تتميز بها اجتماعات الحركة الدستورية الاسلامية وقبول الرأي الآخر، شريطة ألا يتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أما القضايا التي فيها اجتهاد او اكثر من رأي، وتحتمل الخطأ والصواب، فأجواء الحركة تستوعبها وتحتملها! بقي أن أختم بملحوظة أن تعدد الآراء مقبول الى ان ينتهي النقاش ويصدر القرار بعد الاستماع الى كل الافكار والمواقف، عندها على الجميع الالتزام عمليا بالرأي والموقف مادام يتحدث باسم الحركة! هكذا نفهم الديموقراطية، وهكذا نمارس العمل السياسي! متابعة قراءة هكذا نمارس العمل السياسي
كلم الناس .. فضيلة الاعتذار
القارئ الكريم د. محمد المنيع، الذي سبق أن استعنت برده في كتابة توضيحي على ما سبق أن نسبته من أبيات شعرية للمتنبي، عاد وكتب الرد التالي، على مقالي الأخير عن المتنبي: الأخ احمد. تحية طيبة: من وعد أوفى، ومن قال صدق، وأحسن الاماكن أجملها، وخير المراكز أعلاها، وأحسن القول أصدقه، ويعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، وانت بك كل ما كتبت أعلاه!
لقد قرأت مقالك «مقال الاعتذار» الجميل والطريف في القبس، وقربني اكثر اليك والى القبس، كما العهد الصادق، والوعد الوفي. وهذه أبيات من شعري كتبتها لك، الأولى بالفصحى، والثانية بالعامية، تقديرا وعرفانا:
واني على ما وعدت للوعد وافيا
اقول كما قال الصادق الجزل
تعلمت الوفى لما قلت واعدا
وكيف لا وأخلاقنا تجمع الشمل
***
ليت الطريق اللي يوصلني لك يدلك
والله لأفرشه بورد وزهر وكل ما يسرك
وليت عيني ما تشوف في البشر غيرك
حتى لو راح النظر في خيالي اشوفك
فشكرا لك كما قال الشاعر أبو عيينة بن محمد بن أبي عتبة المهلبي، (والذي لم اسمع به في حياتي):
لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة
أوفى من الشكر عند الله في الثمن
أخلصتها لكم مـن قلبي مهذبة
حذواً على مثل ما أوليتم من حسن
د. محمد المنيع
***
أنشر هذا الرد اللطيف، دون تغيير في محتواه، ليس لغرض شخصي، بل لكي أدلل على ما للاعتراف من أهمية ووقع طيب في النفوس. فقد كان بإمكاني تجاهل عشرات الردود التي وردتني، معاتبة محتجة، وحتى شاتمة، تاركا الأمر لضعف الذاكرة البشرية، خاصة أن أغلبية القراء «استمتعوا» بذلك الخليط من أبيات الشعر، من دون الاهتمام بحقيقة هوية قائلها. وهو وضع يشبه استمتاعهم بكلمات أغنية جميلة دون الاكتراث، غالبا، لمعرفة اسم من صاغ كلماتها!
الأمر الطريف أيضا أن د. محمد المنيع طبيب استشاري، وغريب في مجتمعاتنا اهتمام شخص «علمي»، بالمواضيع الأدبية، وانغماسه في الشعر وحفظ الكثير منه!
نعود الى موضوع الاعتذار ونقول إنها فضيلة نفتقدها في مجتمعاتنا، ولم أكن أفضل من غيري في التعامل معها، ولكني «دربت» نفسي في السنوات الأخيرة على الاعتذار، متى ما بدر مني ما يسيء لشخص أو وضع ما، وقد أراحني ذلك كثيرا، وجنبني زعل البعض!
أحمد الصراف
«لحى» الشر الكريهة!
على مستوى العالم الإسلامي، وتحديداً في دول الخليج العربي، بدا واضحاً أن الخطاب الديني المتشدد والمتهور والمدعوم من دول وأقطاب ورؤوس كبيرة وهوامير، هو الخطاب الذي تتفتح أمامه الآفاق، لاسيما في مجال الإعلام الفضائي والإلكتروني، لتصل الأمور في المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه اليوم من تناحر وتصادم وتأجيج للطائفية والخلافات المذهبية، والأهم، إعانة الظالم على المظلوم.
ثمة أفعال شنيعة لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها، لكن مع شديد الأسف، تمكن أصحاب الخطاب الديني «الوضيع» من أن يؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع، وحينما نصفه بأنه «وضيع»، فذلك يعني بالضرورة، أن لا علاقة له بالدين الإسلامي. وسيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يستفيق الملايين من أبناء الأمة الإسلامية من موجة التغفيل والتخدير المقصودة على يد «مشايخ الطين»، ليكتشفوا أن أولئك أصحاب اللحي والعيون الحمراء والأصوات الغاضبة ما هم إلا تجار… تجار تنتعش بضاعتهم في الحروب والأزمات، وتمتليء حساباتهم بالملايين، فيما من يصدقهم ويصدق ملائكتهم المحاربة وأحلام يقظتهم ونومهم ما هم إلا قطيع من المضحوك عليهم والمستَغْفَلين.
قبل فترة وجيزة، تساءل الكاتب جلال أمين في صحيفة «الشروق» المصرية عن أسباب التدهور الذي أصاب الخطاب الديني خلال المئة عام الماضية؟ وكان مقتدراً في الإجابة على التساؤل بالقول أن النمو المذهل في أعداد أنصاف المتعلمين هو من أهم الأسباب، فقد كان المجتمع ينقسم إلى أقلية صغيرة جداً من المتعلمين «ولكنهم متعلمون تعليماً راقياً»، وغالبية عظمى من الأميين «ولكنهم أميون يعرفون قدر أنفسهم»، لا مطامح لهم وليس لديهم أية إدعاءات بغير الحقيقة، والباقون صامتون لا يحدثون ضجيجاً ولا يشوشون. الآن لدينا ملايين من أنصاف الذين يمارسون إرهاباً ضد المثقفين والأميين على السواء، وهم يسيطرون الآن على الخطاب الديني ويطبعونه بطابعهم. (انتهى الإقتباس).
ومن المؤسف جداً، أن نجد العلماء الأفاضل من الخطباء والدعاة والباحثين من كل الطوائف الإسلامية، وأقصد أولئك الذين يمتلكون الروح الإسلامية والفكر الديني النقي، وانتشار صيتهم في العالم الإسلامي باعتبارهم أهل «خطاب إسلامي حضاري معتدل». تلك الكوكبة الرائعة من العلماء لا نجد لهم مساحةً لينتشروا فينتشر خطابهم. ومع توافر وسائل التواصل الإعلامي التقني اليوم، لم يجد الممانعون الذي عملوا لسنوات على إبعاد العلماء المعتدلين مجالاً للمزيد من الحجر عليهم حتى لعبت التقنيات الإعلامية ووسائل التواصل دوراً في تعريف أبناء الأمة الإسلامية من الخليج إلى المحيط، وفي كل أصقاع الدنيا، بهؤلاء العلماء، لكن تلك القوى التي تريد أن تجعل المجتمع الإسلامي في تصادم دائم، لايزالون يقدمون الدعم والأموال لكل خطاب (لا ديني ساقط). وذلك يوجب على أبناء الأمة أن يعرفوا أصحاب الخطاب الخبيث الذين يتاجرون من ورائهم ويتكسبون باستخدام أرذل أنواع الخداع والرياء والتمظهر بالصلاح وخدمة الدين والدفاع عن الأمة.
وهناك مقطع آخر يطرحه الكاتب جلال أمين حين يقول: «المسألة بالطبع لا تتعلق بالخطاب الديني وأنصاف المتعلمين الذين سيطروا عليه وإنما يتعلق بالخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تراجع وأصبح (الأنصاف) هؤلاء يتحكمون بها ويحركونها في أي إتجاه يريدون… كيف حدث ذلك؟ أعتقد أن وراء هذا التدهور فهم مغلوط لوظيفة كلٍّ من الدين والثقافة والسياسة. فنحن مثلاً، نختزل «تديننا» في المظاهر والشعائر، ونعبد الله ونتقرب إليه بأجسادنا لا بقلوبنا، ولا نربط بين علاقتنا به تعالى وعلاقتنا مع عباده، وبالتالي يبدو إيماننا معزولاً عن أفعالنا، وما تلهج به ألسنتنا مفصولاً عمّا تمارسه جوارحنا. ونحن أيضاً في ميادين الثقافة والسياسة نمارس الأنماط ذاتها، فالسياسة لدى بعض فقهائها نقيضة للأخلاق، والثقافة هروب من الواقع، والفاعلون فيهما قادهم الإعجاب إلى الزواج وتركوا جمهورهم غارقاً في مستنقع الجدل ومكبلاً بحبل الشد والجذب بين وهم الخيارات وكذبة الاضطرارات». (انتهى الاقتباس).
الحل ليس هيناً، وهو في الوقت ذاته ليس صعباً! متى ما استطعنا تخليص عقولنا وتربية الأطفال والناشئة على فهم الخطاب المعتدل والقيم الإسلامية الرفيعة بما يناسب مراحلهم العمرية، تمكنا مستقبلاً من صد لحى الشر التي تبكي على شاشات الفضائيات وهي تجمع التبرعات، ويغمى عليها وهي تتحدّث عن النار وبئس المصير، ثم تندفع بقوةٍ في بث السموم في جسد الأمة، فالقنوات الدينية الأكثر تشدداً تحصد نصيب الأسد من ناحية تأثيرها على المجتمع الإسلامي، وهي ذات خبرة واسعة وإتقان ومهارة في مجال نشر التطرف الديني والتدهور المجتمعي، وتتمكن أيضاً من الضحك على أنصاف المتعلمين بسهولة ويسر.
اليوم، يدعو بعض المثقفين والباحثين والسياسيين والناشطين إلى أن يتم الكشف عن أسرار المؤامرات، لا تلك التي يحيكها الغرب ضد الإسلام، بل التي يحيكها محسوبون على الإسلام من «مشايخ الدين» و»علماء الناتو» ضد المجتمع الإسلامي، وفي الغالب، هم يخدمون أنظمة معينة وحكومات معينة تغدق عليهم من المال «المذبوح حلالاً».
خيارات الحكومة الأربعة
وكما توقعنا تم تعديل الحكومة تعديلا كبيرا ـ لتصبح دستوريا حكومة معدلة، وليست حكومة جديدة فلا تتقدم برنامج عمل جديد ولن تطلب مهلة لكي تدرس القضايا المطروحة على الساحة بل ستكون عمليا جاهزة للانطلاق نحو العمل.
هناك أربعة خيارات أمام الحكومة للتعاطي مع الواقع السياسي ـ أحد تلك الخيارات أن تستمر كحكومة تصريف العاجل من الأمور فلا تتصدى لقضايا ولا تتخذ قرارات مصيرية «لتمشي جنب الحيط».
الخيار الثاني ـ أن تغطي الحكومة على أصوات المعارضة التي تطالب بإصلاحات سياسية كبيرة بأن تشتغل على ملف التنمية وتحاول عمل المعجزات الاقتصادية لتحقيق رفاهية للمواطن وتنسيه أي مطالب سياسية مستحقة.
الخيار الثالث ـ أن تبادر الحكومة بالتصدي للإصلاحات السياسية والاقتصادية بنفسها، لتفويت الفرصة على خصومها في المعارضة السياسية من تحقيق انتصارات على حسابها.
وهذا يتطلب أن تتبنى الحكومة مسارا محددا للإصلاح السياسي وتقوم على تسويقه في المجتمع، وبالتأكيد سيكون مشروعها أرحم بكثير من مشروعات المعارضة الطموحة «بيدي لا بيد عمرو»
ولا يستلزم على الحكومة في هذه الحالة أن تقدم مشاريع شعبوية تؤثر على المال العام كما تعودت أن تتحجج به.
الخيار الرابع ـ وهو أن تتصدى الحكومة لكل مشاريع الإصلاح التي طرحتها المعارضة وستطرحها بقوة قريبا بالرفض المطلق وعدم تقديم أي بدائل سياسية، لذلك ـ في مقابل تبنيها لسياسة رفع المستوى المعيشي للمواطن عن طريق إصدار بعض القرارات الشعبية ذات المردود المالي المباشر والسريع على الأسر الكويتية والاكتفاء بها دون السعي لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.
ختاما،كل الخيارات ممكنة أمام الحكومة فهي التي تملك سلطة التنفيذ لما تعتقد أنه مناسب للوطن والمواطنين ـ ولكنها أيضا ستكون مساءلة من الجميع وعلى رأسهم سمو الأمير، حفظه الله، وكذلك نواب الأمة بل والمعارضة أيضا .
متى ينتهي هذا الكابوس؟!
حين نشاهد اليوم مآسي حرب العصابات الدينية والطائفية في سورية والعراق، التي تحولت أيضاً إلى حرب داخل الطائفة السنية أساسها "اختلاف اجتهادات" على الشرعية الطائفية أو شرعية تمثيل القاعدة (ضاعت الحسبة في حروب البسوس الجديدة)، أو نرى معارك أساسها كيفية التعامل مع "ال كابون" بشار الأسد أو التعامل مع ممارسات حكومة المالكي في تهميش سنة العراق، بعد تخليه عن وعوده لشيوخ القبائل السنية، الذين وقفوا معه ومع الاحتلال لطرد القاعدة عام 2006، يصبح من المهم أن نفهم كيف ستنتهي الأمور هناك، فالعراق وسورية ليسا من دول المريخ، وما يحدث لابد أن ينعكس علينا في الكويت وفي دول الخليج.
ومن دون الخوض في التاريخ العربي، الذي توقف منذ سقوط الدولة العثمانية، ولم تتخلله غير لحظات ليبرالية هادئة في الأربعة عقود الأولى للقرن العشرين، لكي يقفز بعدها طغاة عسكريون على الحكم لا يتحداهم جدياً غير قوى الإسلاميين مثل الإخوان، وننتهي اليوم بهذه الخبيصة المدمرة، في معظم أقطار عالمنا التعيس، لمحاولة فهم القليل يعرض الكاتب توماس فريدمان، في مقاله بـ"نيويورك تايمز" (لم أعد أهضم الكثير مما يطرحه) كتاب د. مروان المعشر وزير خارجية الأردن سابقاً "الصحوة العربية الثانية ومعركة التعددية" (ترجمتي للعنوان) فالأرض العربية تضج بسنة وشيعة وأكراد ومسيحيين ودروز… وكان يثبت تماسك الدول التي يحيا بها "القرقيعان" الطائفي والعرقي أنظمة عسكرية طاغية، لكن بعد الإطاحة بتلك النظم، وكانت البداية إسقاط نظام صدام 2003 بالاحتلال الأميركي، ثم خروج الأميركان من المنطقة، الذي بدوره ولد فراغ قوة، أوصل دولنا إلى تلك الحالة في حروب طوائف واقعة أو قادمة، وما يثيره الدكتور مروان هو أن البلاد العربية لا تعاني الآن فراغ قوة فحسب بل "فراغ قيم"، فبعد ثلاث سنوات من "النهوض العربي"، الذي أظهر إفلاس الأنظمة العسكرية الأوتوقراطية العلمانية في إيجاد لقمة العيش الكريمة للمواطنين، والتي مازالت تصارع القوى الإسلامية، وبعد آن آلت إليه الأمور على ما نراه يصبح من الضروري العمل من أجل "التعددية الثقافية"، وهي تعددية في التعليم وتعددية نحو الأقليات وتعددية الأحزاب، بكلام مختصر، تصبح تعددية القبول بالآخر، ومن دون فرض هيمنة واستبداد جماعة عرقية أو دينية على الأخرى.
أتمنى أن يجد القارئ العربي ترجمة لكتاب الدكتور مروان المعشر قريباً، ويبقى حلم "القبول بالتعددية الثقافية"، أي القبول بالآخر المختلف عنا عرقياً أو دينياً أو طائفياً، مسألة قد تأخذ مساراً طويلاً يتجرع فيه العرب مرارة حروب داحس والغبراء الممتدة، وتظل هناك، في النهاية، بعض الأسئلة من شاكلة هل كانت الأنظمة العربية العسكرية الحاكمة "علمانية" حقيقة أم إنها تلفيق سياسي فاسد لا أكثر؟ وكم من الزمن؟ وما حجم التضحيات التي يتعين على القوى التقدمية الشبابية اليوم أن تبذلها حتى تتحقق آمالها بدول عادلة لا استبداد فيها لعسكر أو أمراء قبائل أو أمراء دين أو طائفة، وربما نتذكر في هذه المناسبة عبارة الباحث أوليفييه روا من كتاب "الجهل المقدس"، التي يقول فيها "… ولكن الثقافة الدنيوية في العالم العربي هي في الوقت عينه فارغة، وتزداد فراغاً، وتختفي تحت الضغط المزدوج للسلفية من جهة، وللتغريب من جهة أخرى…" متى ينتهي هذا الكابوس؟!
الدامة والعبيدي
السياسة في الدول المتقدمة ليست هواية، بل مهنة، وليس للصدفة دائما مكان فيها. وسياسة المحاصصة المتبعة هي التي تخلق سياسيي «الصدفة»، الذين تنحصر مهمتهم في إرضاء الكتل البرلمانية، وأطراف المجتمع السياسي والقبلي والطائفي المؤثرة! ولكن على الرغم من السهولة النسبية في مثل هذه الاختيارات، إلا أن النتيجة لا يمكن أن تشكل فريقا متجانسا أو قوة «إدارية» تذكر! وقد أدى استمرار اتباعها الى عزوف واضح من الجادين والمخلصين، ومن أصحاب الخبرة والكفاءة، عن قبول المنصب الوزاري، وهذه ظاهرة تنفرد بها الكويت، بين الدول المتخلفة في العالم، وحتى المتقدمة التي يكون اختيار الوزراء عادة فيها يتم لمهنيتهم أو لخبراتهم كسياسيين. فالتوزير في الغرب عملية جادة، والاختيار جزء من خطة حكومية، ووجود الوزير الكفء عامل حازم في تحقيق تلك الخطة! هذا العزوف عن المشاركة ربما صعب مهمة رئيس الوزراء في اختيار فريق مميز، ولكنه يعلم أن العزوف سببه غياب الرؤية، وانعدام الانسجام، والأهم من ذلك المركزية الشديدة في اتخاذ القرار داخل الحكومة. كما أن قصر عمر أي وزارة، الذي أصبح بحدود السنة تقريبا، لا يشجع الكفاءات، إن قبلت بالتكليف، على القيام بأي حركة إصلاحية طويلة الأمد، خوفا من ألا يبقى في الوزارة بما يكفي، ليأتي من بعده وزير آخر وينسف كل عمله، فتذهب جهوده سدى، وما حدث مع الوزير الحجرف، وما بدأ به من حركة إصلاحية لن تستمر ربما مع الوزير الجديد، الذي سيكون تحت نفس هاجس عدم البقاء طويلا في منصبه!
يقول صديق إن مركزية اتخاذ القرار تسببت، طوال 40 عاما، في تراكم المشاكل المستعصية، ومثال على ذلك مأساة «عديمي الجنسية» الذين لم تبت السلطة، في وضعهم لأكثر من ثلاثة عقود، وعندما اصبح عددهم بمئات الآلاف، تم تشكل لجنة بعد أخرى لمعالجة أوضاعهم! وأخبرني صديق آخر أنه قرأ القصة الرمزية التالية، وطلب مني تكرار نشرها: ذهب رجل إلى سرداب البيت الذي لم تطأه قدماه منذ سنوات، فوجد أجهزة إلكترونية قديمة، ومجموعه ألعاب، كانت في وقته مصدر تسلية له وإخواته واصدقائه، مثل كرات البلور، او التيلة، وقطع خشبية للعبة «الدامة»، وبضع «دوامات» مع خيوط تدويرها. وقال إنه حمل تلك الألعاب لأولاده وشرح لهم ما كانت تعنيه بالنسبة إليه، وطريقة استخدامها، ودعاهم الى ترك ما بأيديهم من أجهزة حديثة، ومشاركته في اللعب، ولكنهم نظروا إليه من دون أن يقولوا كلمة، وعادوا لهواتفهم الذكية والآيباد واللاب توب. ويقول الصديق إنه شعر وقتها وكأنه رئيس وزراء، وان ما بيديه من ألعاب هم أعضاء الوزارة الجديدة، واولاده هم الشعب!
ونختم المقال بتكرار تساؤل الزميل وليد الجاسم، في الوطن: إن كان د. العبيدي مميزا في وزارة سابقة، فل.مَ قام الرئيس بإعفائه وقتها من منصبه كوزير للصحة؟ وإن كان العبيدي سيئا فل.مَ قام الرئيس نفسه بتكليفه ثانية بوزارة الصحة؟
أحمد الصراف