علي محمود خاجه

«وين راحت الفلوس»

"خطورة الإنفاق وضرورة الترشيد" هو عنوان الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء يوم أمس الأول، وهو أمر كررناه وأعدناه مراراً لاستيعابنا أن سياسة المنح والكوادر تستنزف من طاقات الدولة ومواردها… أو بالأصح طاقة الدولة وموردها. العجز الفعلي قادم لا محالة، والمصروفات ستزيد على الإيرادات قريباً جداً، ولا يلوح في الأفق أي حل لهذا العجز القادم، بل حتى ترشيد الإنفاق الذي ترفع شعاره الحكومة اليوم لن يحمينا من العجز القريب، فمعدلات النمو الاستهلاكي الحالية، كما تفضل وزير المالية، تفوق معدلات الإنتاج الحالية، وهو ما يعني أن إبقاء الوضع كما هو عليه سيؤدي إلى العجز أيضاً، ولن يكون هناك أي حل بالوضع القائم إن حدث العجز إلا بخفض المصروفات، وهو ما يعني خفض الرواتب لأنها تشكل الحصة الأكبر من الاستهلاك. كل ما سبق حقائق غير قابلة للنقض أو التجميل، بل هي حقائق وردت على لسان الحكومة، وهي الجهة المخولة أصلاً بالتحكم في موارد الدولة المادية. بمعنى آخر، أن الحكومة تقر بأن سنوات الأموال الطويلة والممتدة لأكثر من خمسين عاماً، لم تتمكن من خلق مصادر مالية متعددة رغم الوفرة أو تلبية احتياجات المواطنين كالتعليم والصحة والسكن المناسبة ليتجنبوا حاجتهم إلى أموال أكثر لتسديد مصاريفهم المستنزفة؛ بسبب إيجار العقارات أو الدراسة الخاصة أو المستشفيات الخاصة، وبالتأكيد فإن هذه الحكومة لن تأتي بالجديد، وإن اجتهد بعض أعضائها؛ لأن نظام اختيار الوزراء لم يتغير. طيب، بما أننا قريبون من عجز في الميزانية فمن حقنا كمواطنين أن نتساءل وبعفوية أين ذهبت الثروات طوال الأعوام بل العقود الماضية؟ فتلك الثروات لم تغطِ حاجة الشعب القليل في السكن ولا الصحة ولا التعليم ولا الترفيه ولا الطرق ولا الكهرباء ولا الماء، كل تلك المجالات لم تسد الثروات المهولة احتياجاتها… فأين هي الثروة إذاً؟ هنا مربط الفرس وهذا سبب استياء المواطنين، فهم لم يشعروا على الأقل في السنوات العشرين الأخيرة بالرخاء رغم تكرار الفوائض المالية الضخمة في كل عام، وهم مطالبون اليوم بمؤازرة الحكومة بترشيد الإنفاق رغم أنها لم تبادر بأي خطوة تسهم فعلاً في تقليل العبء عن المواطنين كي يساهموا بترشيد الإنفاق. لذلك أنا أتفهم، وإن كنت لا أقبل ولكن أتفهم، أن يطالب مواطن أو مجموعة بإسقاط القروض أو زيادة رواتب أو غيرها من مصاريف شخصية، لأنهم وببساطة لا يجدون أي فائدة من الفوائض المالية على صعيد الدولة، فيتجهون إلى الفردية للحصول على ما يمكن الحصول عليه. بالإمكان سؤال أي مواطن اليوم إن كان يفضل منحة مقدارها ٢٠٠٠ دينار أو إنشاء مدينة متكاملة بنفس التكلفة خلال خمس سنوات، وستجدونه يتجه إلى إنشاء المدينة طبعاً، ولكن لأن الأمل مفقود بكل الحكومات السائرة على خطى واحدة فاشلة، فإن المواطن بات أنانياً يفكر بتحسين موارده المالية وإن تأخرت الدولة. لا بد من معالجة العلّة بدلاً من الدعوات التي لا تلقى أي أذن تصغي لها بترشيد الإنفاق.

سامي النصف

الربيع العربي والتآمر على أموال الخليج

تمثل أموال الخليج أو ما يسمى بـ «البترودولار» عماد اقتصاد الأمة العربية والداعم الأول لنهضتها وتنميتها ومحاولة وصولها لمصاف الأمم المتقدمة، في عام 74 بدأت عائدات النفط تتضاعف بشكل كبير بسبب الحظر النفطي العربي الذي تلا حرب اكتوبر 1973 المجيدة، فقد تضاعفت الأسعار عشرات المرات واستفادت بشكل كبير الشركات النفطية الغربية، كما انصبت الأموال الخليجية على البنوك اللبنانية حتى توقفت عن إعطاء الفوائد على الودائع آنذاك، وكان لزاما ان تمتص تلك الثروات الخليجية وان تبعد الأموال عن لبنان، سويسرا الشرق، لذا بدأت الأحداث الأمنية تتصاعد حتى انفجرت في عين الرمانة في ابريل 75 بسبب ما قامت به منظمة التحرير العربية التابعة لصدام، وقد استمرت تلك الحرب 17 عاما على أرض لا تزيد مساحتها على 10 آلاف كم2.

***

في أبريل 79 قامت الثورة في أحد أكبر البلدان المصدرة للنفط آنذاك ونعني إيران فعادت أسعار النفط للارتفاع الكبير وتكدست مرة اخرى عوائد البترودولار، لذا قام صدام بالاستيلاء على الحكم في يوليو 79 بعد ان رفض البكر مؤامرة شن الحرب على ايران وهو ما قام به صدام خلال أقل من عام على حكمه واستمرت الحرب 8 سنوات ما جعلها أطول حروب القرن العشرين زمنا، وجاوزت كلفة الحرب 500 مليار دولار، ثم عاد الطاغية ليكرر عملية امتصاص تلك الثروات عبر غزوه غير المبرر للكويت التي كلفت رغم قصر مدتها ما يقارب ضعف كلفة الحرب الأولى اي حوالي تريليون دولار.

***

في عام 2000 لم يتجاوز سعر برميل البترول 30 دولارا إلا انه وخلال 8 سنوات ارتفع الى 150 دولارا ثم عاد ليستقر على سعر ثابت يفوق 100 دولار للسنوات الخمس الأخيرة، لذا وحسب القراءة السابقة للأحداث كان واجبا ان تحدث خروقات سياسية وأمنية في المنطقة العربية لتمتص تلك الفوائض في الحروب والاضطرابات وعمليات الإعمار اللاحقة لها فكان الربيع العربي والحروب الأهلية والدمار المصاحب له.

***

آخر محطة: 1 ـ إن كانت القاعدة الماضوية العامة تظهر ان كل ارتفاع لأسعار النفط يجب ان تتلوه حروب تمتص عوائده، أرى ان الحروب الأهلية وعمليات التفتيت والتشطير والتدمير القائمة ستستمر هذه المرة الى أجل غير مسمى مصاحبة لانخفاض حاد قادم لأسعار النفط، لذا لن تكون هناك مستقبلا فوائض مالية قادمة من بيع النفط وهذا هو أحد أسباب «المخامط» الحالي على الأموال العامة.

2 ـ نرجو أن تلتزم الدول المانحة بدفع المبالغ التي أعلنت عنها في مؤتمرها الأخير، كما نرجو من الأمم المتحدة ان تصل الأموال عبرها لمستحقيها كاملة بعيدا عن تحميلها مصاريف إدارية وغيرها من نفقات تشتكي منها كثير من منظمات الشفافية الدولية والتي تسببت في السابق بفضائح فساد أشهرها عمليات النفط مقابل الغذاء في العراق.

احمد الصراف

عندما لا نقرأ بعضنا لبعض

“>لا شك في أن نسبة من يتفق من القراء مع آرائي، على قلتهم، أكبر من نسبة المخالفين لآرائي، وسبب ذلك لا يعود لجودة ما أكتب، بل لأن من لا يتفق معي لا يشغل نفسه بقراءة ما أكتب. فقلة تقرأ ما لا يتفق مع أفكارها. ولكن هذا الصد عن معرفة طريقة تفكير الآخر يخلق فجوة وجفوة في المجتمع، وهذا جزء من مشاكلنا. وقد قمت لفترة بمتابعة ما ينشر ويبث على آلة الأحزاب الدينية الإعلامية، وما أكثرها، في محاولة لفهم طريقة تفكيرهم! وكنت في جميع الأحوال أشعر بأنني أقرأ أو استمع لبشر ينتمون لعالم غير الذي ينتمي اليه الآخرون. فبرامجهم وحواراتهم لا تخرج عن قضايا الزواج والطلاق والحلال والحرام، والنكاح والإرث والجهاد والقتال والجنة والنار والعبادات، وكل ما يتعلق بالجنس، والعلاقة بالمرأة، وغيرها من المواضيع التي قتلت بحثا، وهي، في عمومها، لا تختلف عما سبق أن سمعته في مدرسة الصباح الابتدائية، وإن بكثافة أقل، وما أعدت سماعه، وبتركيز أعلى، في الصديق المتوسطة، وما تكرر سماعي له، وإن بتوسع، في كيفان الثانوية، نفس المواضيع ونفس القضايا ونفس المشاكل ونفس الحلول تتكرر من شيخ لآخر ومن رجل دين لملا! وبالتالي نجد أن قضايا البيئة والمجاعة والحروب الأهلية وانتشار الأسلحة والأوبئة والأمراض المعدية ونقص الأدوية، وكيفية توقع الكوارث قبل وقوعها، والاحتباس الحراري، وحرق الغابات، وشح مياه الشفة، وغياب الديموقراطية وكيفية التخلص من الانظمة التسلطية، وحتى من جبال القمامة وغيرها من القضايا المصيرية،
لا تعني شيئا لقنوات هؤلاء وصحفهم، وليست بأهمية كيفية توزيع الإرث وصحة ختان الإناث من عدمه! وبالتالي تكمن مشكلتي، عبر هذه الزاوية، في عجزي عن توصيل أفكاري لمن أريد، فغالبية من يقرأ ما أكتب متفق معي تقريبا، ولكن من أريد الوصول اليه لا يقرأ لي، ولا يريد أن يسمع أن زمن الجهاد بالسيف قد ولى، وقتل الآخر لأنه كافر قد مضى، وأن الجهاد هو في المعمل والحقل والمصنع والمختبر، وهي أماكن لا وجود لها في فكرهم الديني. كما أن هؤلاء لايودون معرفة حقيقة أن من يحثونهم على الجهاد لا يرغبون فيه، ولا يترددون في ارتياد أفضل المشافي إن مرضوا! وان من يطلبونهم بإرسال أبنائهم الى الجهاد يقومون بإلحاق أبنائهم بأفضل الجامعات الغربية، فهناك الحوريات، وليس في ازقة حلب وحواري الفلوجة!
ألم نر العريفي كيف امتطى ظهر جواده على الحدود التركية، مطالبا بقتال نظام الأسد، وما ان ترجل عنه حتى ركب الطائرة إلى لندن؟ وما ينطبق على هذا ينطبق على ابناء كبار الإخوان المسلمين، وأماكن عيش ابناء وأحفاد أمثال القرضاوي. وقد رأيت قصور الكثير من هؤلاء الدعاة في الرياض وجدة والكويت، ولا أعتقد أنهم سيتركون رغد العيش فيها ليذهبوا، أو أبناؤهم، للجهاد في جحور الأنبار او حواري حمص.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com