سعيد محمد سعيد

«لحى» الشر الكريهة!

 

على مستوى العالم الإسلامي، وتحديداً في دول الخليج العربي، بدا واضحاً أن الخطاب الديني المتشدد والمتهور والمدعوم من دول وأقطاب ورؤوس كبيرة وهوامير، هو الخطاب الذي تتفتح أمامه الآفاق، لاسيما في مجال الإعلام الفضائي والإلكتروني، لتصل الأمور في المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه اليوم من تناحر وتصادم وتأجيج للطائفية والخلافات المذهبية، والأهم، إعانة الظالم على المظلوم.

ثمة أفعال شنيعة لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها، لكن مع شديد الأسف، تمكن أصحاب الخطاب الديني «الوضيع» من أن يؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع، وحينما نصفه بأنه «وضيع»، فذلك يعني بالضرورة، أن لا علاقة له بالدين الإسلامي. وسيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يستفيق الملايين من أبناء الأمة الإسلامية من موجة التغفيل والتخدير المقصودة على يد «مشايخ الطين»، ليكتشفوا أن أولئك أصحاب اللحي والعيون الحمراء والأصوات الغاضبة ما هم إلا تجار… تجار تنتعش بضاعتهم في الحروب والأزمات، وتمتليء حساباتهم بالملايين، فيما من يصدقهم ويصدق ملائكتهم المحاربة وأحلام يقظتهم ونومهم ما هم إلا قطيع من المضحوك عليهم والمستَغْفَلين.

قبل فترة وجيزة، تساءل الكاتب جلال أمين في صحيفة «الشروق» المصرية عن أسباب التدهور الذي أصاب الخطاب الديني خلال المئة عام الماضية؟ وكان مقتدراً في الإجابة على التساؤل بالقول أن النمو المذهل في أعداد أنصاف المتعلمين هو من أهم الأسباب، فقد كان المجتمع ينقسم إلى أقلية صغيرة جداً من المتعلمين «ولكنهم متعلمون تعليماً راقياً»، وغالبية عظمى من الأميين «ولكنهم أميون يعرفون قدر أنفسهم»، لا مطامح لهم وليس لديهم أية إدعاءات بغير الحقيقة، والباقون صامتون لا يحدثون ضجيجاً ولا يشوشون. الآن لدينا ملايين من أنصاف الذين يمارسون إرهاباً ضد المثقفين والأميين على السواء، وهم يسيطرون الآن على الخطاب الديني ويطبعونه بطابعهم. (انتهى الإقتباس).

ومن المؤسف جداً، أن نجد العلماء الأفاضل من الخطباء والدعاة والباحثين من كل الطوائف الإسلامية، وأقصد أولئك الذين يمتلكون الروح الإسلامية والفكر الديني النقي، وانتشار صيتهم في العالم الإسلامي باعتبارهم أهل «خطاب إسلامي حضاري معتدل». تلك الكوكبة الرائعة من العلماء لا نجد لهم مساحةً لينتشروا فينتشر خطابهم. ومع توافر وسائل التواصل الإعلامي التقني اليوم، لم يجد الممانعون الذي عملوا لسنوات على إبعاد العلماء المعتدلين مجالاً للمزيد من الحجر عليهم حتى لعبت التقنيات الإعلامية ووسائل التواصل دوراً في تعريف أبناء الأمة الإسلامية من الخليج إلى المحيط، وفي كل أصقاع الدنيا، بهؤلاء العلماء، لكن تلك القوى التي تريد أن تجعل المجتمع الإسلامي في تصادم دائم، لايزالون يقدمون الدعم والأموال لكل خطاب (لا ديني ساقط). وذلك يوجب على أبناء الأمة أن يعرفوا أصحاب الخطاب الخبيث الذين يتاجرون من ورائهم ويتكسبون باستخدام أرذل أنواع الخداع والرياء والتمظهر بالصلاح وخدمة الدين والدفاع عن الأمة.

وهناك مقطع آخر يطرحه الكاتب جلال أمين حين يقول: «المسألة بالطبع لا تتعلق بالخطاب الديني وأنصاف المتعلمين الذين سيطروا عليه وإنما يتعلق بالخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تراجع وأصبح (الأنصاف) هؤلاء يتحكمون بها ويحركونها في أي إتجاه يريدون… كيف حدث ذلك؟ أعتقد أن وراء هذا التدهور فهم مغلوط لوظيفة كلٍّ من الدين والثقافة والسياسة. فنحن مثلاً، نختزل «تديننا» في المظاهر والشعائر، ونعبد الله ونتقرب إليه بأجسادنا لا بقلوبنا، ولا نربط بين علاقتنا به تعالى وعلاقتنا مع عباده، وبالتالي يبدو إيماننا معزولاً عن أفعالنا، وما تلهج به ألسنتنا مفصولاً عمّا تمارسه جوارحنا. ونحن أيضاً في ميادين الثقافة والسياسة نمارس الأنماط ذاتها، فالسياسة لدى بعض فقهائها نقيضة للأخلاق، والثقافة هروب من الواقع، والفاعلون فيهما قادهم الإعجاب إلى الزواج وتركوا جمهورهم غارقاً في مستنقع الجدل ومكبلاً بحبل الشد والجذب بين وهم الخيارات وكذبة الاضطرارات». (انتهى الاقتباس).

الحل ليس هيناً، وهو في الوقت ذاته ليس صعباً! متى ما استطعنا تخليص عقولنا وتربية الأطفال والناشئة على فهم الخطاب المعتدل والقيم الإسلامية الرفيعة بما يناسب مراحلهم العمرية، تمكنا مستقبلاً من صد لحى الشر التي تبكي على شاشات الفضائيات وهي تجمع التبرعات، ويغمى عليها وهي تتحدّث عن النار وبئس المصير، ثم تندفع بقوةٍ في بث السموم في جسد الأمة، فالقنوات الدينية الأكثر تشدداً تحصد نصيب الأسد من ناحية تأثيرها على المجتمع الإسلامي، وهي ذات خبرة واسعة وإتقان ومهارة في مجال نشر التطرف الديني والتدهور المجتمعي، وتتمكن أيضاً من الضحك على أنصاف المتعلمين بسهولة ويسر.

اليوم، يدعو بعض المثقفين والباحثين والسياسيين والناشطين إلى أن يتم الكشف عن أسرار المؤامرات، لا تلك التي يحيكها الغرب ضد الإسلام، بل التي يحيكها محسوبون على الإسلام من «مشايخ الدين» و»علماء الناتو» ضد المجتمع الإسلامي، وفي الغالب، هم يخدمون أنظمة معينة وحكومات معينة تغدق عليهم من المال «المذبوح حلالاً».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *