احمد الصراف

معصومة وحميد

ليس هناك أجمل من الانتماء لوطن والعيش آمناً وبكرامة في كنفه! ولا يعرف حقيقة هذا المذاق، وما يعنيه ذلك من أمان وراحة نفسية، إلا أولئك الذين فقدوا وطنهم، غيلة وغدراً، أو ربما جهلاً! والوطن، كالصحة، لا نعرف قيمته إلا بعد فقده، وما يفعله الكثيرون بأوطانهم اليوم، إن باسم الدين أو الطائفة أو العرق أو القبيلة، أو في سبيل المال، لا يمكن أن يغتفر، وهم لا يعلمون بأن الأمور ستنقلب يوماً عليهم، أو على الأقل على أبنائهم، يومها سيعرفون أن لا معنى لثروة أو عقيدة أو مذهب أو قبيلة إن فقد الوطن، فإن ولى ولت الكرامة معه، وكل شعور بالأمن والأمان!
ولكن حتى الوطن يصبح أحياناً طعمه مراً في الحلق، وتصبح محبته معاناة يومية، وهذا ما رأيته وأراه في عيون الكثير من أصدقائي العراقيين واللبنانيين والسوريين الذين يرون أوطانهم تذوب أمامهم، وجذوة العافية تذوي فيها، ومرابع الصبا تحترق، وهم عاجزون تماماً عن فعل شيء، فقوى الجشع والسطوة المستفيدة من الخراب أقوى منهم ومن مشاعرهم، وأشد شراسة من دعواتهم وصلواتهم وتمنياتهم، وحتى من ما قد يكون بين أيديهم من قوة ومال!
ولقد شعرت شخصياً، عدة مرات، بطعم الوطن المر، ولكن وتيرة ذلك الشعور أصبحت أكثر تسارعاً، مع تسارع انزلاق وطني لمهاوي الصراع الطائفي والفساد الإداري والسياسي، التي سبقتنا إليها دول أخرى «شقيقة». فالأحقاد أصبحت تملأ نفوس الكثيرين، وأصبح عدد من هم على استعداد لبيع وطنهم، وقبض ثمن ذلك رشوة مالية أو مادية، في تزايد مستمر! كما أصبح الجهلة هم الذين يصنعون «الرموز» وبعضهم من يمثل الأمة، وأصبح هؤلاء، وغيرهم من المنحرفين طائفياً وقبلياً، هم متصدرو المجالس واللقاءات، وأصبح وطن الإخاء والعدالة ضحية أطماع هؤلاء.
نعم لقد شعرت بطعم الوطن المر عندما اختار البعض من ابنائه أن يمثلهم السيد «عبدالحميد دشتي»، في مجلس الأمة. وشعرت بنفس الطعم المر وأنا أرى خذلان نفس الفئة لكفاءة مثل السيدة «معصومة المبارك»، وإنكارهم عليها شرف تمثيلهم! وشعرت بتلك المرارة وأنا أتخيل سماع صوتها وهي تخاطب ناخبي منطقتها: «أنتم لا تستحقوني».
نعم، طعم الوطن أصبح مراً بوتيرة متزايدة مع ما اصبحنا نراه من عجز الحكومة، التي تمتلك كل ادوات القوة والتنفيذ، عن وقف هذا التدهور والانزلاق نحو الهاوية!
فهل هناك وضع أسوأ من هذا؟ نعم هناك، وهو ما سيأتي من بلاء!
***
• ملاحظة: ورد في مقال أمس أن الشيخ خزعل كان صديقاً للشيخ أحمد الجابر، والصحيح أنه كان صديقاً لجده الشيخ مبارك الصباح، وسبق أن كتبنا عن علاقتهما الوثيقة. فمعذرة على هذا السهو.

أحمد الصراف