مبارك الدويلة

هكذا نمارس العمل السياسي

يستنكر البعض على الحركة الدستورية الإسلامية أن تصدر من بعض المحسوبين عليها بين فترة وأخرى مواقف تتناقض مع ما هو معلن او معروف عنها! ويستكثر علينا ان يكون لدى رموزنا اكثر من رأي في القضية الواحدة تصدر منهم بشكل شخصي، والحقيقة أننا بالحركة نستوعب تعدد الآراء، وهو ما لا يفهمه الكثير من خصومنا السياسيين الذين تعوّدوا على الرأي الواحد! فتجدنا حتى في القضايا الرئيسية نختلف بالرأي قبل أن يصدر منا القرار الأخير، والذي يأتي بعد الحوار والنقاش الذي يصل أحياناً إلى درجة الملل! هذا الوضع جعل بعض المتصيدين للأخطاء يدندنون لبعض التصريحات والآراء التي صدرت مني مؤخرا بشأن ثنائي على بعض الجوانب في شخصية رئيس الوزراء، أو تمنياتي للحكومة الجديدة بأن تحقق للمواطن الرفاهية وترسّخ مبادئ العدل والمساواة بين المواطنين! وهي آراء لاشك أنها صدرت بشكل شخصي، لا تمثل إلا كاتبها، إلا أن البعض أراد أن يصبغ بها الحركة الدستورية، كونها صدرت من شخص له موقع في هذه الحركة، ولعل آخر هذه الأمثلة ما صدر بالأمس من تصريح للأخت الفاضلة خولة العتيقي بشأن تولي امرأة لمنصب رئيس الوزراء، أو ذكرها بتحفظها على بعض ما ورد في مقدمة برنامج المعارضة المقترح! وواضح أن هذا رأي شخصي للأخت الكريمة، فكلنا يعلم أن موضوع تولي امراة لمنصب رئيس الوزراء غير مطروح حتى عند التنظيمات الليبرالية! وكذلك ما ذكرته بالنسبة لرأيها بمقترح المعارضة. إنها أيها الإخوة حرية التعبير التي تتميز بها اجتماعات الحركة الدستورية الاسلامية وقبول الرأي الآخر، شريطة ألا يتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أما القضايا التي فيها اجتهاد او اكثر من رأي، وتحتمل الخطأ والصواب، فأجواء الحركة تستوعبها وتحتملها! بقي أن أختم بملحوظة أن تعدد الآراء مقبول الى ان ينتهي النقاش ويصدر القرار بعد الاستماع الى كل الافكار والمواقف، عندها على الجميع الالتزام عمليا بالرأي والموقف مادام يتحدث باسم الحركة! هكذا نفهم الديموقراطية، وهكذا نمارس العمل السياسي! متابعة قراءة هكذا نمارس العمل السياسي

احمد الصراف

كلم الناس .. فضيلة الاعتذار

القارئ الكريم د. محمد المنيع، الذي سبق أن استعنت برده في كتابة توضيحي على ما سبق أن نسبته من أبيات شعرية للمتنبي، عاد وكتب الرد التالي، على مقالي الأخير عن المتنبي: الأخ احمد. تحية طيبة: من وعد أوفى، ومن قال صدق، وأحسن الاماكن أجملها، وخير المراكز أعلاها، وأحسن القول أصدقه، ويعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، وانت بك كل ما كتبت أعلاه!
لقد قرأت مقالك «مقال الاعتذار» الجميل والطريف في القبس، وقربني اكثر اليك والى القبس، كما العهد الصادق، والوعد الوفي. وهذه أبيات من شعري كتبتها لك، الأولى بالفصحى، والثانية بالعامية، تقديرا وعرفانا:
واني على ما وعدت للوعد وافيا
اقول كما قال الصادق الجزل
تعلمت الوفى لما قلت واعدا
وكيف لا وأخلاقنا تجمع الشمل
***
ليت الطريق اللي يوصلني لك يدلك
والله لأفرشه بورد وزهر وكل ما يسرك
وليت عيني ما تشوف في البشر غيرك
حتى لو راح النظر في خيالي اشوفك
فشكرا لك كما قال الشاعر أبو عيينة بن محمد بن أبي عتبة المهلبي، (والذي لم اسمع به في حياتي):
لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة
أوفى من الشكر عند الله في الثمن
أخلصتها لكم مـن قلبي مهذبة
حذواً على مثل ما أوليتم من حسن
د. محمد المنيع

***
أنشر هذا الرد اللطيف، دون تغيير في محتواه، ليس لغرض شخصي، بل لكي أدلل على ما للاعتراف من أهمية ووقع طيب في النفوس. فقد كان بإمكاني تجاهل عشرات الردود التي وردتني، معاتبة محتجة، وحتى شاتمة، تاركا الأمر لضعف الذاكرة البشرية، خاصة أن أغلبية القراء «استمتعوا» بذلك الخليط من أبيات الشعر، من دون الاهتمام بحقيقة هوية قائلها. وهو وضع يشبه استمتاعهم بكلمات أغنية جميلة دون الاكتراث، غالبا، لمعرفة اسم من صاغ كلماتها!
الأمر الطريف أيضا أن د. محمد المنيع طبيب استشاري، وغريب في مجتمعاتنا اهتمام شخص «علمي»، بالمواضيع الأدبية، وانغماسه في الشعر وحفظ الكثير منه!
نعود الى موضوع الاعتذار ونقول إنها فضيلة نفتقدها في مجتمعاتنا، ولم أكن أفضل من غيري في التعامل معها، ولكني «دربت» نفسي في السنوات الأخيرة على الاعتذار، متى ما بدر مني ما يسيء لشخص أو وضع ما، وقد أراحني ذلك كثيرا، وجنبني زعل البعض!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«لحى» الشر الكريهة!

 

على مستوى العالم الإسلامي، وتحديداً في دول الخليج العربي، بدا واضحاً أن الخطاب الديني المتشدد والمتهور والمدعوم من دول وأقطاب ورؤوس كبيرة وهوامير، هو الخطاب الذي تتفتح أمامه الآفاق، لاسيما في مجال الإعلام الفضائي والإلكتروني، لتصل الأمور في المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه اليوم من تناحر وتصادم وتأجيج للطائفية والخلافات المذهبية، والأهم، إعانة الظالم على المظلوم.

ثمة أفعال شنيعة لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها، لكن مع شديد الأسف، تمكن أصحاب الخطاب الديني «الوضيع» من أن يؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع، وحينما نصفه بأنه «وضيع»، فذلك يعني بالضرورة، أن لا علاقة له بالدين الإسلامي. وسيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يستفيق الملايين من أبناء الأمة الإسلامية من موجة التغفيل والتخدير المقصودة على يد «مشايخ الطين»، ليكتشفوا أن أولئك أصحاب اللحي والعيون الحمراء والأصوات الغاضبة ما هم إلا تجار… تجار تنتعش بضاعتهم في الحروب والأزمات، وتمتليء حساباتهم بالملايين، فيما من يصدقهم ويصدق ملائكتهم المحاربة وأحلام يقظتهم ونومهم ما هم إلا قطيع من المضحوك عليهم والمستَغْفَلين.

قبل فترة وجيزة، تساءل الكاتب جلال أمين في صحيفة «الشروق» المصرية عن أسباب التدهور الذي أصاب الخطاب الديني خلال المئة عام الماضية؟ وكان مقتدراً في الإجابة على التساؤل بالقول أن النمو المذهل في أعداد أنصاف المتعلمين هو من أهم الأسباب، فقد كان المجتمع ينقسم إلى أقلية صغيرة جداً من المتعلمين «ولكنهم متعلمون تعليماً راقياً»، وغالبية عظمى من الأميين «ولكنهم أميون يعرفون قدر أنفسهم»، لا مطامح لهم وليس لديهم أية إدعاءات بغير الحقيقة، والباقون صامتون لا يحدثون ضجيجاً ولا يشوشون. الآن لدينا ملايين من أنصاف الذين يمارسون إرهاباً ضد المثقفين والأميين على السواء، وهم يسيطرون الآن على الخطاب الديني ويطبعونه بطابعهم. (انتهى الإقتباس).

ومن المؤسف جداً، أن نجد العلماء الأفاضل من الخطباء والدعاة والباحثين من كل الطوائف الإسلامية، وأقصد أولئك الذين يمتلكون الروح الإسلامية والفكر الديني النقي، وانتشار صيتهم في العالم الإسلامي باعتبارهم أهل «خطاب إسلامي حضاري معتدل». تلك الكوكبة الرائعة من العلماء لا نجد لهم مساحةً لينتشروا فينتشر خطابهم. ومع توافر وسائل التواصل الإعلامي التقني اليوم، لم يجد الممانعون الذي عملوا لسنوات على إبعاد العلماء المعتدلين مجالاً للمزيد من الحجر عليهم حتى لعبت التقنيات الإعلامية ووسائل التواصل دوراً في تعريف أبناء الأمة الإسلامية من الخليج إلى المحيط، وفي كل أصقاع الدنيا، بهؤلاء العلماء، لكن تلك القوى التي تريد أن تجعل المجتمع الإسلامي في تصادم دائم، لايزالون يقدمون الدعم والأموال لكل خطاب (لا ديني ساقط). وذلك يوجب على أبناء الأمة أن يعرفوا أصحاب الخطاب الخبيث الذين يتاجرون من ورائهم ويتكسبون باستخدام أرذل أنواع الخداع والرياء والتمظهر بالصلاح وخدمة الدين والدفاع عن الأمة.

وهناك مقطع آخر يطرحه الكاتب جلال أمين حين يقول: «المسألة بالطبع لا تتعلق بالخطاب الديني وأنصاف المتعلمين الذين سيطروا عليه وإنما يتعلق بالخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تراجع وأصبح (الأنصاف) هؤلاء يتحكمون بها ويحركونها في أي إتجاه يريدون… كيف حدث ذلك؟ أعتقد أن وراء هذا التدهور فهم مغلوط لوظيفة كلٍّ من الدين والثقافة والسياسة. فنحن مثلاً، نختزل «تديننا» في المظاهر والشعائر، ونعبد الله ونتقرب إليه بأجسادنا لا بقلوبنا، ولا نربط بين علاقتنا به تعالى وعلاقتنا مع عباده، وبالتالي يبدو إيماننا معزولاً عن أفعالنا، وما تلهج به ألسنتنا مفصولاً عمّا تمارسه جوارحنا. ونحن أيضاً في ميادين الثقافة والسياسة نمارس الأنماط ذاتها، فالسياسة لدى بعض فقهائها نقيضة للأخلاق، والثقافة هروب من الواقع، والفاعلون فيهما قادهم الإعجاب إلى الزواج وتركوا جمهورهم غارقاً في مستنقع الجدل ومكبلاً بحبل الشد والجذب بين وهم الخيارات وكذبة الاضطرارات». (انتهى الاقتباس).

الحل ليس هيناً، وهو في الوقت ذاته ليس صعباً! متى ما استطعنا تخليص عقولنا وتربية الأطفال والناشئة على فهم الخطاب المعتدل والقيم الإسلامية الرفيعة بما يناسب مراحلهم العمرية، تمكنا مستقبلاً من صد لحى الشر التي تبكي على شاشات الفضائيات وهي تجمع التبرعات، ويغمى عليها وهي تتحدّث عن النار وبئس المصير، ثم تندفع بقوةٍ في بث السموم في جسد الأمة، فالقنوات الدينية الأكثر تشدداً تحصد نصيب الأسد من ناحية تأثيرها على المجتمع الإسلامي، وهي ذات خبرة واسعة وإتقان ومهارة في مجال نشر التطرف الديني والتدهور المجتمعي، وتتمكن أيضاً من الضحك على أنصاف المتعلمين بسهولة ويسر.

اليوم، يدعو بعض المثقفين والباحثين والسياسيين والناشطين إلى أن يتم الكشف عن أسرار المؤامرات، لا تلك التي يحيكها الغرب ضد الإسلام، بل التي يحيكها محسوبون على الإسلام من «مشايخ الدين» و»علماء الناتو» ضد المجتمع الإسلامي، وفي الغالب، هم يخدمون أنظمة معينة وحكومات معينة تغدق عليهم من المال «المذبوح حلالاً».