أضاعت الحكومة، بعد تحرير الوطن من الغزو والاحتلال الصدامي الحقير عام 1990، فرصة ذهبية لتعديل الاختلالات الهيكلية والسكانية والاقتصادية، وحتى السياسية، وخلق مجتمع متجانس وخلاق، أكثر اعتمادا على نفسه، وأقل اعتمادا على العمالة الخارجية، ولكن كل هذه الأمنيات، وغيرها من الأحلام، تبخرت مع «نشوة» عودة الوطن، والانشغال بأمور التحرير، وفوق ذلك عادت الحكومة لكل عاداتها القديمة، وزادت عليها بالصرف ببذخ وإسراف لا معنى لهما، حتى تجاوز كرمها في دعم مختلف السلع الضرورية كل منطق، وفعلت ذلك إما احتفاء بعودة الكويت، او لشراء ود المواطن. وصاحب كل ذلك تسارع كبير في قضايا الفساد، التي تم السكوت عنها، مع تزايد الصرف على خلق هياكل إدارية غير ذات معنى، إما لإرضاء الموالين، او لإسكات «المعارضين»!
ومع الانهيار الأخير والكبير في أسعار النفط، وانخفاض عائدات الدولة بشكل مخيف، لاحت في الأفق فرصة ذهبية ثانية لإصلاح الكثير من الأوضاع، وتعديل التركيبة السكانية، إلغاء الدعم الحكومي عن الكثير من السلع والخدمات غير الضرورية وتخفيضها عن الضروري منها، وإعادة النظر في سياسات التجنيس، وكشف المزدوجين، ومعاقبة سارقي المال العام، من مدعي الإعاقة، وغير مستحقي المساعدات الاجتماعية، وغيرهم من اصحاب الفئات الأخرى، ولكن كل آمال وأمنيات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والمالي تبخرت تدريجياً، في ظل عجز حكومي عن اتخاذ قرارات حاسمة، تصب في النهاية في مصلحة المواطن والدولة بالتالي.
تخيل معي مدى التأثير الأمني والنفسي والاقتصادي، والأهم من كل ذلك، التأثير الأخلاقي، لنجاح السلطات في كشف حقيقة هوية سبعين ألف «مواطن» (كحد ادنى) بعد إثبات حملهم لأكثر من جنسية، واستفادتهم غير القانونية وغير الأخلاقية من مساعدات الدولة؟!
إن حدث مثل هذا الأمر فستكون له حتما انعكاسات اقتصادية واجتماعية بالغة الأهمية. ان مزدوجي الجنسية والولاء هؤلاء، سواء من العاملين والمقيمين في الكويت، أو من الذين يأتون إليها في مواسم توزيع الهبات أو الانتخابات، هم الفئة ربما الأقل إخلاصا ووفاء للكويت، وفوق ذلك الأكثر تكلفة على المال العام. فالكثيرون منهم يمتلكون منازل وابناء ومعاقين ومطلقات وزوجات في أكثر من دولة خليجية، ويستفيدون من اوضاعهم، وأحوالهم الأسرية مرتين، من دون وجه حق. وكشف امر هؤلاء سيزيح عبئاً وهماً عن الكثير من الإدارات الحكومية، التي تقدم العون لهؤلاء، او تنشغل كثيراً في التعامل مع قضاياهم، كوزارة الشؤون الاجتماعية، وهيئة الشباب ووزارة الداخلية وهيئة الإعاقة، ودعم العمالة، وغيرها من الجهات الحكومية الأخرى.
الأمر لا يتطلب غير العزم.