شعرت بالحزن للوضع الذي وجد الرئيس عباس نفسه فيه، في حفل تأبين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز. ولكن الحزن كان أكبر على الهجوم الذي تعرض له الرئيس عباس من قبل الكثيرين، الذين لم يترددوا في دبج المقالات وصياغة النصوص ونظم الأشعار في الهجوم المقذع والمخجل عليه، دون النظر لظروفه ولظروف وطنه «السليب»، والأوضاع الدولية، ولوضع الشعب الفلسطيني في عشرات المخيمات الذين يعانون الأمرين منذ سبعين عاما، من دون وطن ولا هوية ولا ارض ولا كرامة ولا تعليم ولا….. أمل!
من السهل قرض الشعر، وكتابة نصوص الهجاء وتخوين عباس وغيره، واتهامهم ببيع القضية، والعمالة للعدو، والخضوع له، ولكن ما الذي فعله كل هؤلاء من اجله وأجل شعبه، في الثلاثين سنة الماضية، على الأقل؟ لا شيء طبعا؟ لقد قلت في السبعينات، وما أزال اردد القول نفسه، من أن مأساة الفلسطينيين لا تكمن فقط في صراعهم مع أعتى القوى العالمية، بل لتبرع «إخوتهم» العرب، بكل فرقتهم وتشرذمهم وضعفهم وتفرقهم وتحزبهم، لمساعدتهم في تحرير ما سلب منهم، فزادوهم هما وتخلفا وغما، وحتى قتلا. فعدد الفلسطينيين الذين قتلوا بأيدي بعضهم بعضا وبأيدي «إخوتهم» يبلغ أضعاف من قتلهم الإسرائيليون. ثم جاءت حماس، بكل خلفيتها الإخوانية وقضت على آخر امل في وجود دولة فلسطينية تنهي معاناة هذا الشعب مع نفسه وأبناء عمومته وضد أشرس وأقوى نظام عسكري عرفته المنطقة، وبالتالي تركنا عباس وحيدا، وقلنا له اذهب أنت ومنظمتك، وحاربا كل أعدائكم، وإنا هنا لقاعدون، وإن فشلت، فسندبج أقذع أشعار الهجاء بحقك، وسنصورك خائنا وخانعا للعدو. ما الذي كان يطالب به الذين هاجموا محمود عباس بسبب حضوره جنازة شيمون بيريز؟ هل كانوا يتمنون بقاءه في أريحا أو رام الله، ولا يشارك عشرات زعماء الدول في التأبين؟ لقد اتبعوا تلك السلبية لسبعة عقود ما الذي جنوه؟ وماذا ضر القضية حضوره، ولقاء عشرات الزعماء، وإثبات وجوده، وإعطاء زخما لقضية كاد العالم أن ينساها، بعد ان قامت بعض الدول العربية في الاعتراف بإسرائيل دولة ذات سيادة؟
من الذي سيداوي جراح الشعب الفلسطيني، وينهي معاناته في الشتات، وما يشعر به من حرمان لأبسط حقوقه؟ هل عليهم انتظار صدام وخربان وقذافي جدد؟ لقد تسببت ألمانيا في قتل ستين مليونا في الحرب العالمية، وأصبح الألماني أكثر شخصية مكروهة في العالم، وساهمت الفنون والآداب الغربية، والأميركية بالذات، في ترسيخ تلك الكراهية، ثم جاء وقت شعر فيه العالم أن عليه التعايش مع الدولة الجديدة، ويغير من عقليتها الحربية الماضية لتصبح قوة أكثر إيجابية وسلاما.
هل بإمكان احد تخيل ما كان سيكون عليه وضع الفلسطينيين اليوم، وعلاقتهم بإسرائيل، لو قبلنا بقرار التقسيم الذي صدر عام 1948 عن الأمم المتحدة؟
لقد ولى زمان «ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بها»، وعلى هؤلاء الثورجية أن «يحلوا» عن ظهر الفلسطينيين ويتركوهم لحالهم، ليجبروا على دمج فصائلهم أولا، والتفاوض مع إسرائيل بعدها على حدود دولتهم. فما لم نستطع استعادته، والبترول في أوج قوته، والعضلات العربية في أقصى تضخمها، لا يمكن أن يستعاد الآن والبترول في أسوأ أوضاعه، والعضلات في أدنى درجات تراخيها!