انتظرت بعض الشيء، لأطلع على ردود الفعل على مقتل شهيد الكلمة ناهض حتر، قبل كتابة هذا المقال، وكما توقعت، فقد كانت النتيجة مخيبة، واثبتت أننا أقرب للدول المتخلفة منا للعصرية! ففي الأولى يأخذ كل طرف، ما يعتقد انه حقه بيده، فلا مجال لتحكيم العقل، أو اللجوء الى القانون، ولا للتفكير بتجرد، ولا لإعطاء الشك حقه، ولا البحث في الأسباب، بل خذوه فغلوه!
رصاصات القاتل الجاهل الخمس لم تقتل «حتر» فقط، بل وقتلت ما تبقى من ضمير لدى الكثيرين منا، خصوصاً الذين هللوا للجريمة وبرروها. كما أن الرصاصات ساهمت في قتل التفكير المنطقي فينا، فقمنا بإدانة المفكر وتجريمه، وبإيجاد المبررات والأعذار للقاتل.
ناهض حتر لم يكن رسام كاريكاتير، ولا كاتبا صحافيا عاديا، أو شخصا مجهولا، بل كان مفكرا، وهذه كانت جريمته في مجتمعات الجهل. كما أنه لم يكن الأول في قافلة شهداء الكلمة، ولا أول من يقتل بسبب رأي، ولن يكون حتما الأخير، فقافلة الشهداء لها أول، منذ أن بدأت الحرب على الكلمة قبل أكثر من الف عام، ولن تتوقف أعداد السائرين في ركبها، طالما بقينا على تخلفنا وتشرذمنا وعصبيتنا، وعدم احترامنا للكلمة، وخوفنا من حرية الرأي، وإصرارنا على هذا الكم من الخرافات في حياتنا.
إن رصاصات القاتل الخمس اثبتت للمرة الألف أن كل ما تتبجح به معظم دولنا من مؤسسات ودستور وسلطات مستقلة، وأمن ومحاكم ومحاماة وسجون ونصوص، ومرافعات ما هي إلا قشور، حيث اننا لا نزال نعيش في عصور التخلف والانحطاط، التي سهلت وجود الكثير من المعتوهين والحمقى بيننا، من الذين يعتقدون ان بإمكان رصاصاتهم تغطية نور الحقيقة، وأن تقضي عن توق الإنسان للحرية، الحرية التي أصبحت تحارب في كل مدرسة ومعهد وجامعة.
حادثة او جريمة مقتل «حتر» أثبتت أيضا أننا اصبحنا الأمة الوحيدة التي تصر على قتل كل مفكريها وأحرارها، بعد تكفيرهم وإخراجهم من الملة، وتفريقهم من أهاليهم، غير عابئين أن هدف هؤلاء الأحرار يكمن في إنهاض هذه الأمة من ركوعها، وإفاقتها من سباتها، وانتشالها من عميق تخلفها.
لقد اتفق العالم أجمع على احترام الكلمة، إلا نحن، فلا نزال نقتل بعضنا بعضا بالرصاص، ونقطع أوصال المخالفين بالسكاكين ونفجر بيوت المعارضين بالمتفجرات، وكل ذلك بسبب خيالات وتصورات لا تمت للواقع بصلة، فليس هناك من يمتلك الحقيقة ولا من له الحق في قتل الآخر بدم بارد لأن تفسيره الديني اختلف عن تفسير غيره، إلا نحن! العالم كله، دون استثناء، إلا نحن، منسجم مع معتقداته، راض بإيمانه، سعيد بمعابده، مرتاد كنائسه، راض بحاله، إلا نحن، بعد أن أدركوا أن لا أحد يمتلك الحقيقة، ولا أحد يمتلك التصور الديني الحق والصحيح، الواجب الاتباع، لا بين المسلمين ولا بين غيرهم، وليست هناك فرقة واحدة يتفق عليها الجميع، فلمَ كل هذا العنف وكل هذا القتل؟
مؤسف أن المعتوهين والمجانين لن يقرأوا هذا الكلام، ولا ما يماثله، وسيبقون منشغلين بقراءة ما ينسجم وعللهم الفكرية، وسيستمر سفك الدماء!