ارتبط اسم «محاكم التفتيش» بقيام السلطات بالبحث والتفتيش عن الأفكار والآراء المخالفة لها، أو التي تحمل وجهة نظر مختلفة عن الرأي الرسمي للدولة والكنيسة، وإلحاق أقسى العقوبات الوحشية بأصحابها، وقد ظهرت هذه المحاكم في القرون الوسطى، واستمرت لمئات السنين، حتى تخلصت منها أوروبا، وصارت جزءا من التاريخ غير المشرف لها!
عندما يتم التعامل مع الأكاديميين وأصحاب الفكر والرأي باعتبارهم مجرمين، لأنهم أبدوا آراء لا تتوافق مع الرأي الرسمي، فهذا يعني أننا نمر بظروف مقاربة لتلك التي تخلصت منها أوروبا منذ مئات السنين، فمن المعيب أن يحال أستاذ جامعي إلى التحقيق بناء على شكوى مجهولة، لأنه أبدى رأيا في المحاضرة قد لا يعجب البعض!
من الواضح أن هناك قصورا في فهم فلسفة التعليم الحديث، التي ترفض التلقين والجمود والانفصال عن الواقع، بينما يقوم التعليم الحديث على استثارة العقول، والتشجيع على التفكير والنقد والحوار، لا أن تكون مخرجاته عبارة عن عقول مقولبة ومتشابهة، قد تم حشوها برأي واحد لا يقبل الجدل.
إذا كانت مناهج المراحل المدرسية قائمة على التلقين، فلا ينبغي أن يستمر ذلك إلى المرحلة الجامعية، التي من المفترض أن تكون أرحب أفقا، ومواكبة للأحداث، وفيها تدريب للطالب على التفاعل مع واقع الحياة، فالمرحلة الجامعية تعتبر مرحلة الاستعداد النهائي للانخراط في الحياة العامة، فينبغي أن يكون الطالب قد أخذ حظا من التفاعل مع القضايا الحية، لذلك فإن من سمات هذه المرحلة أن يكون الطالب منفتحا على مختلف الأفكار، متفاعلا مع مختلف التوجهات في حرم الجامعة، لا أن يكون منكفئا على ذاته وكتبه، منفصلا عن واقع مجتمعه وقضاياه!
لا أظن أن ما سبق كان حاضرا في ذهن من قاموا بملاحقة استاذ الجامعة والتحقيق معه، وإلا لما قاموا بهذه الإجراءات المسيئة إلى جامعة الكويت أولا، فإذا لم يكن الأستاذ قادرا على محاورة الطلاب بقضايا واقعهم، فأين سيتعلم الطلبة الحوار والاختلاف الذي يعتبر أمرا طبيعيا وحقا مكفولا في المؤسسات العلمية، وكذلك من حق الطلبة الرد والمناقشة والاعتراض في أجواء علمية بعيدا عن التشنج والتعصب!
إذا كان من نهج إدارة الجامعة ملاحقة أساتذتها بسبب آرائهم، وبناء على شكاوى مجهولة، بعيدا عن الأعراف الأكاديمية، فليس مستغربا أن يتراجع تصنيف الجامعة عالميا وعربيا، فبدلا من الانشغال بتطويرها ورفع تصنيفها الأكاديمي، يتم اللجوء إلى أساليب عفا عليها الزمن!