«تم تدميرنا اجتماعيا ونفسيا مع بداية الطفرة النفطية».. هذه العبارة التي وردت في مقال الأمس يجب، ومن المفروض ان نتوقف عندها كثيرا. وان يتم بذل جهد حقيقي إما في إنكارها وإما التسليم بها. ليس شيئا سهلا ان نقول اننا «دمرنا» اجتماعيا ونفسيا، ثم نستمر وكأن شيئا لم يكن، او بالاحرى لم يُقل.
يجب ان نتوقّف كثيراً هنا، فحالياً ليست الأزمة في الفساد المزعوم الذي تختفي خلفه «العواجز» من المعارضين. وليس انخفاض اسعار النفط الذي يتلهى به من يفتقد التبصر والقدرة على النظر الى الامام. ان الازمة حاليا فينا نحن.. فنحن العلة… والطفرة النفطية هي السبب.
العلة فينا.. فنحن لسنا عجزة لا ننتج وحسب، ولكن لان الكثير منا «حرامية»، مزورون ونصابون. لهذا ربما يتشدّق الكثيرون بفساد الآخرين او الطبقة الكبرى للتستر على الفساد الحقيقي الذي تمارسه الاغلبية من المواطنين. كل شيء خضع للتزوير والتحوير.. طلبات السكن وعقود الزواج وحتى الطلاق أيضا، فالبعض يتزوج وهميا ويطلق وهميا للتحصل على الدعم الحكومي. المتعيشون على بدل العمالة، ثلاثة أرباعهم، او ربما كلهم، لا ينوون العمل، ولكن «الدعم» أغرى الجميع بالتظاهر في العمل. أربعون ألف «معاق» تم اكتشاف زيف اعاقتهم. ناهيك عن ادعاءات النسل من اجل التحصل على علاوة الاولاد او المتاجرة بالجنسية الكويتية. آخرتها وحاليا يجري بيع بطاقات التأمين الصحي للمتقاعدين والمتاجرة بها.
لن أمضي اكثر من هذا، فــ «الشق عود» والخراب كبير.. لكن الحقيقة تبقى انه تم تدميرنا اجتماعيا ونفسيا بسبب الطفرة النفطية. طبعا الطفرة النفطية لم تكن مسؤولة وحدها عن كل شيء. فنحن بحكم الموروث والتقاليد كان لدينا استعداد تام للانحراف والتمرّد على المجتمع الجديد. كما أشرت في مقالات سابقة لم يكن لدينا بحكم بدائيتنا انتماء وولاء وطني كامل، ولم يكن لدى اغلبيتنا ايضا فضيلة حب العمل. كما لم يتسنَّ لنا بفعل عوامل التخريب التي مارستها السلطة، لــ «اعتراض» التطور السياسي، لم يتسن لنا بناء علاقة اجتماعية وسياسية طبيعية مع مؤسسة «الدولة». فالدولة او الحكومة هنا شيء غريب يحل التحايل والنصب والكذب عليه.
لو طبقنا القوانين، او ارتقينا {نحن الناس، ذوي الدخل المحدود}، كما يحلو للبعض مناداتنا. او الامة عندما يدللنا سياسيا البعض. لو ارتقينا وكفينا يد العبث وهواجس التحايل والتزوير للتحصل على المكتسبات غير المشروعة وحتى غير المبررة للانفاق الريعي. لو ارتقينا والتزمنا وراعينا القوانين، لاستغنينا نهائيا عن رفع الدعوم او خفض الرواتب الذي يعتقد البعض انه الحل لأزمة انخفاض الدخل.