قبل سنتين تقريباً نسب لرئيس الحكومة مقولة إن دولة الرفاه انتهت، وانشغل الكثيرون بنقد رأي الشيخ جابر المبارك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت هناك حالة إنكار للواقع، إنكار أن تدهور سعر النفط سيصيب دخول الناس وسيهز حالة الريع الاقتصادية بالدولة، وكأن الناس يرفضون أن يصدقوا أن الحلم الجميل شارف على النهاية.
بصورة مجملة منذ ذلك الزمن وحتى الآن، لا تظهر السلطة أنها على استعداد لهز أكتاف الناس، وتهمس أو تصرخ بآذانهم “اصحوا يا ناس”. طبيعي لو استيقظت الغالبية على الحقيقة وواجهوا الواقع الكئيب، فالمعارضة ستتجذر وتقوى من مجرد حالة الهذر التنفيسي أو “التحلطم” الساخر إلى ما هو أبعد من ذلك، بدورها وجدت السلطة أن بقاء حال اللامبالاة الاقتصادية يعني لامبالاة سياسية، وهذا لصالحها، وفي الوقت ذاته ولقطع دابر أي احتمال لمعارضة سياسية فعالة باشرت السلطة إجراءات القمع إما عبر إصدار القوانين المقيدة للحريات، والتي تمهر بختم مجلس نوابها، أو سحبت جناسي بعض المواطنين، أو ملاحقتهم بقفازات القانون حين يعبرون عن آرائهم متجاوزين بحسن نية نصوصاً جزائية قمعية تصادر حرية التعبير وتنتقص من أبسط مسلمات المبادئ العامة التي استقرت عليها الأمم الديمقراطية.
انتهينا اليوم، وبعد حل هذا المجلس الأخير، الذي كان نصيراً للسلطة الحاكمة في السراء والضراء، إلى اعتبار ما نسب لرئيس الحكومة ذلك الوقت عن انتهاء دولة الرفاه مجرد زلة لسان وخطأ مطبعي غير مقصود، فالدولة تسير كما يجب أن تكون، مثل أيام الماضي، يتم دفع الرواتب والتوظيف بالقطاع العام، والمشاريع تفصل حسب الأصول لجماعة “إن حبتك عيني” وصفقات السلاح الرهيبة بمليارات الدولارات تمرر، ولا حديث عنها، غير مقالات يتيمة متناثرة يضع كتابها أيديهم على قلوبهم إن كانت ستجد النور أم لا، وكان “تست” السلطة، أي جس نبض الشارع، بأسعار البنزين مناسباً لها كي تدور في مكانها وتراوح وتتراجع قليلاً بصورة “تهريجية”، وبالتالي ستعيد حساباتها الفاشلة في أي مشروع جدي لضبط الإنفاق العام.
مجلس جديد وحكومة جديدة قادمان، رغم يقيننا بأنه لا جديد تحت شمس الكويت، فهذا “سيفوه وهذي خلاجينه”، لكن ألا يحق لأصحاب الفكر القلق من القادم أن يحلموا بأن يتقدم رئيس الحكومة الموعود بعد حلف اليمين ويقف أمام الكاميرات والصحافيين، ويصارح الناس ويقول لهم بجدية إن الحفلة انتهت، وسأبدأ بنفسي ومن معي في مجلس الوزراء وبقية القياديين، الذين لا أعرف كيف أصبحوا قياديين، سأضرب تنين الفساد الإداري والهدر التنفيعي في كل مؤسسات الدولة دون استثناء، وسنحتكم لدولة القانون والمؤسسات، ولا مكان بعد اليوم لإمبراطورية المحسوبيات، وسنشرع في الإصلاح الاقتصادي الحقيقي… ويضيف: إما أن نفعل هذا الآن، وإما الخراب أمامنا بإفلاس وطننا وتشرد أطفالنا، إما طريق سنغافورة أو طريق الصومال… فلنختر!
يحق لنا أن نحلم بخطاب رئيس الحكومة، ويحق لنا بواقعية أكثر أن نهذي ونطمئن أنفسنا بخدر الوهم اللذيذ بأن الحفلة لم تنته بعد.