“أيامنا الحلوة” انتهت، وإذا ظلت دولنا الخليجية تتمسك بذكريات الأمس سارحة بأيام الرخاء والأمان، حين كان برميل النفط يتجاوز المئة دولار، والقوة الأميركية تظلل السماء لحماية المنطقة، فلن نجد في السنوات القليلة القادمة غير الخراب والدمار. أسعار النفط كما ترون نكاد نقول إنه من المستحيل أن تعود كما كانت، فحالة شبه الركود الاقتصادي تعم العالم، والولايات المتحدة بعد عمليات استخراج النفط الصخري صارت أكبر منتج، وبالتالي ليست بحاجة إلى دولنا ولا نفطنا، وبالتبعية لم تعد هناك مبررات لاستمرار مظلة الحماية الأميركية.
رولا خلف كتبت قبل أيام في “فايننشال تايمز” معلقة على قانون جاستا، الذي يسمح بمقاضاة دول ذات سيادة، بأن الزواج الكاثوليكي للمصالح المشتركة بين المملكة العربية السعودية (ومعها نفهم ضمناً بقية دول الخليج) والولايات المتحدة انتهى، والذي يستغرق وقتاً الآن هو إجراءات الطلاق… ولا يصح أن يكون مثل ذلك القانون مفاجأة، فقبل إقراره علينا أن نتذكر لقاء أوباما مع صحافي “أتلانتك”، بعنوان عقيدة أوباما، الذي ذكر فيه الرئيس الأميركي بوضوح أنه لم يعد هناك مكان لـ”فري رايدر”، أي الركاب غير الملتزمين بسعر تكلفة السفر، والتي كانت الولايات المتحدة تتكفل بتكاليف الرحلة، المقصود هنا وبالدرجة الأولى دولنا قبل غيرها، رغم أن دولنا الخليجية دفعت الكثير للولايات المتحدة أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، واستمرت تدفع أكثر للخزينة الأميركية بصفقات السلاح بعد ذلك، وبالتالي لم تكن حقيقة مسافرة “ببلاش”، لكن ذلك التاريخ ليس مهماً عند السيد الأميركي، فالسياسة علم المصالح وليست محاضرات في مثاليات الأخلاق والوفاء.
أيام سوداء قادمة لا ريب في ذلك، وستدفع الشعوب الكثير من ضريبة المعاناة التي ستعصف بالأكثرية من الطبقة الوسطى والفقراء، أما أثرياء الصفقات فستظلل غيوم الملايين والمليارات ببنوك وعقارات الخارج سماءهم، وليس أمام أنظمتنا من خيار غير التأقلم مع الواقع الجديد، وهذا يعني أن تنفتح أنظمة دول المنطقة على شعوبها وتمارس الشفافية معها، فهي أي الشعوب مصدر قوتها وضمان مستقبلها الوحيد، وحين أتأمل حالنا بالكويت، أجد حال الجماعة هنا، وكما تشاهدون، على “حطة إيدكم”، فمازالوا يترنمون بأغنية “هيلة يارمانة”، مصرين على استرضاء “الحلوة الزعلانة” التي تدور في فلكهم من جماعات المصالح، مع أنها صارت اليوم عجوزاً قبيحة.