لا تظهر الحكومة ولا مجلسها أي إشارة نحو الجدية في مواجهة واقع كارثة انخفاض مصدر دخل الدولة الوحيد بأكثر من النصف، وكانت مسرحية الخمسة وسبعين غالون بنزين السياسية ببطولة الاثنين، المجلس والحكومة، معاً، دليلاً على حجم الخواء الكبير في النهج السياسي للسلطتين، حين سوقا بسذاجة مثل ذلك الطرح بغرض تسكيت الموطن المتذمر، وكأنهما يحشران “مصاصة” إلهاء بفم طفل رضيع كي يكف عن البكاء، في وقت يتم سكب مقولات مثل الحلول الذكية والمواطن الراشد أو الرشيد من رئيس المجلس النيابي في الفضاء الإعلامي، بينما لا يظهر أنها تمثل حلولاً ذكية أو أنها تتوجه للمواطن الرشيد حسب الزعم الإعلامي الخالي من الرشد.
كان الوجه الآخر المزري لعرض الإلهاء بـ 75 غالون منحة، الذي يمثل خفضاً بحوالي 30 في المئة من الوفر الذي حققته الدولة من رفع سعر البنزين، هو خفض بدل السكن للمعلمين الوافدين من 150 إلى 60 ديناراً! وكأن الحكومة تخبرنا بأنها استقطعت مالاً من قوت المدرس الوافد الذي لا يتجاوز راتبه نصف أو ثلث المعلم الكويتي كي تمنحه “للمواطن الرشيد” بصورة الخمسة وسبعين غالون بنزين! وبهذه الصورة الاستغلالية سواء لوعي “المواطن الرشيد”، الذي يتم التلاعب به أو حين ينصرف ذلك الاستغلال لحياة المدرس الوافد البائسة، وهو الذي يتوقع منه أن يقدم عملاً سامياً نحو تعليم الأجيال، تستكمل الآن تسويق مشاريع الحكومة والمجلس لمواجهة “أزمة” الدخل القومي وكارثة الحل السلطوي لها.
الوطن اليوم بحاجة إلى رجال دولة وليس لممثلين سياسيين كي يقدموا لوطنهم أتفه العروض المسرحية في أخطر أزمة وجود تصادفه بعد التحرير، الوطن بحاجة إلى أصحاب مبادئ وإيمان بالشباب الواعي والمستقبل، وبكل ما يعني هذا المستقبل من تضحيات مطلوبة من أجل توفير القليل من الأمن الاقتصادي والسياسي لجيل اليوم والغد معاً.
وضع مساحيق المكياج على واقعنا القبيح لن يجدي نفعاً، ولن يغير من الحقيقة بأننا سائرون بطريق الإعسار والإفلاس والدمار الذي نشاهده كل يوم لأمم قريبة منا، على أهل السلطة أن يقتنعوا أن الاستعراضات الشعبوية والمزايدات الفجة لبقاء الولاءات السياسية على حالها السابق، التي كانت تتم عبر عملية مقايضات البؤس بين السلطة والمواطن بشكل عطاءات مالية للأخير مقابل صمته أو عدم اكتراثه عن قضايا الفساد الضخمة في مؤسسات الدولة دون استثناء، لن تنفع في مثل هذا الظرف.
الوطن بحاجة إلى رجال دولة اليوم، يصارحونه بالحقيقة ومرارتها، وكيف يمكن مواجهتها، وأن يتعهدوا بأنهم سيبدأون التضحية بأنفسهم قبل أن يطالبوا بها المواطن، فهذا حكم العدالة وهذا إنصافها، وبغير هذا لن تكون هناك دولة بالغد، فليكفوا عن إنتاج مسرحيات السقم هذه.