ظهر على برنامج الثامنة لداود الشريان على mbc كل من وزير المالية، ووزير الخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط. كان لقاء مثيرا ومهما في آن، وذلك لأنه واكب تطورات اقتصادية تطلبت ظهور مسؤولين يواجهون قلق الناس ويجيبون عن أسئلتهم، ولا سيما وهي المرة الأولى التي يطول تأثر الاقتصاد شؤون حياتهم ومصادر رزقهم. ولا شك أن حديث المسؤولين أحدث ضجة ولا سيما تصريح وزير الخدمة المدنية الذي قال إن الدراسات التي أعدت حول إنتاجية الموظف الحكومي كشفت أن إنتاجيته لا تزيد على ساعة واحدة في اليوم! في حين قال تصريح نائب وزير الاقتصاد والتخطيط إن السعودية كانت معرضة للإفلاس خلال ثلاثة أعوام، لكنها قامت باتخاذ إجراءات، وقد قال لاحقا إنه خانه التعبير. وكلا التصريحين استخدما صيغ المبالغة التي تلائم جلسات نميمة، لكنها لا تعتمد على دراسات أو حقائق واقعية. والمؤسف أن طارت بهذين التصريحين الصحف العالمية بعناوين فلاشية. وقد جاءت تلك التصريحات غير بعيدة – زمنيا – من تصريح وزير الطاقة خالد الفالح الذي عبر فيه عن تفاؤله بسوق النفط، مؤكدا أن “دورة الهبوط الحالية تشرف على الانتهاء، والدليل هو تراجع احتياطيات الولايات المتحدة من النفط خلال الأسابيع السبعة الماضية”، انتهى حديث الفالح. صحيح، لدينا على الأقل عقود قادمة من عمر النفط، وقد تتراجع المرحلة الصعبة خلال الأشهر القادمة لسوق النفط وإن ببطء، لكن أسعاره ستبقى ولا شك رهن المضاربات السياسية والاقتصادية. لقد تأثرت بالفعل شركات استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وإن كان إنتاج النفط الصخري مكلفا وغير عملي وغالبا لا يعول عليه على المدى البعيد كمنافس حقيقي، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بالتقدم التكنولوجي.
لا شك أن تراجع أسعار النفط كان له تأثيره البالغ في ميزانية المملكة كما بقية الدول المنتجة. هل كانت أسبابا اقتصادية، سياسية، تكنولوجية أم مزيجا من كل منها؟ ليس هنا المهم في هذه المرحلة. فقد كان الأمر درسا قاسيا للدول النفطية المعتمدة على الاقتصاد الريعي كالمملكة. وهذه الهزة هي مثل جرس المنبه wake up call وهي مهمة أكثر من قضية النفط نفسها، بل قد تكون الحسنة التي خرجنا بها من هذه الأزمة. نعم لقد أدمنا النفط والمكاتب والنمط الاستهلاكي واقتصاد الخدمات الرخو، وهو النقيض للاقتصاد الإنتاجي. لذا فأهمية التنويع والتغيير ليست فقط على مستوى الاقتصاد، بل ما ينتج عن ذلك من أخلاقيات اقتصادية واجتماعية وسلوكية وتبعات ذلك أيضا. ففي الاقتصاد الريعي تكون العلاقات الشخصية أعلى وأهم من الإنتاج والعلم والمعرفة والفكر. أما الأخطر فهو بقاء الاقتصاديات الريعية رهنا للمصدر وبقائه. كل ذلك إضافة إلى خطورة انكشاف الاقتصادات الريعية على عوامل تبعية خارجية لا يمكن التحكم فيها لضمان صحة الاقتصاد.
لذا ما تقوم به المملكة حاليا نحو خطط تنويع الاقتصاد والاستثمار ضمن “رؤية 2030 ” تتطلب التعجيل والركض غير المتوقف والابتعاد عن البيروقراطية وإعادة الهيكلة ومكافحة الفساد، وذلك لتعويض عقود من الركود أو نحو قرن من إدمان النفط. تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط ممكن ويسير جدا وذلك لتوافر رأس المال البشري السعودي لحسن الحظ كما رأس المال المادي حتى الآن، فالإمكانات التي لدى السعودية الآن مثل الموارد والمداخيل وحجم الاحتياطيات النقدية، وانخفاض المديونية الحكومية للمستوى الأدنى عالميا هي عوامل محفزة ونحن لا نزال محظوظين لعظم الفرص المتوافرة. وضع اقتصادي حرج، نعم، لكن لن تفلس السعودية، هذا مؤكد، وليس لأسباب عاطفية بل منطقية. لكنها تحتاج إلى تصحيح المسار وهذا ما يجب أن يكون قد حدث ويحدث الآن.