كشف سكان محليون في مدينة الموصل، الثلاثاء الماضي، أن تنظيم داعش بدأ حفر خندق كبير حول المدينة، استعدادا للمعركة المرتقبة مع القوات الأمنية، وأشاروا إلى أن التنظيم قام بغلق أحياء بكاملها عند بدئه الحفر. وقال مسؤولون عسكريون وسكان ومسؤولون إن التنظيم عمل جاهدا هذا الشهر على حفر خندق باتساع مترين حول المدينة ووضع خزانات نفط بالقرب منها “لعمل نهر من النيران يعطل تقدم القوات ويحجب الرؤية عن طائرات الاستطلاع”. يضيف الخبر الذي يتعلق بحرق النفط هذا إلى قائمة القلق في المنطقة من أن تتحول إلى فضاء يهدد البيئة والحياة. المنطقة المشتعلة التي عانت حرق آبار النفط الكويتية من قبل جيش صدام حسين في التسعينيات. وهو الحدث الذي هدد المنطقة وأثر في البيئة والمناخ العالميين. الموصل مدينة نفطية استخدم فيها “داعش” نفطها وباعه في صهاريج. وأهميتها الاستراتيجية تكمن في التمويل والموقع والإعلان الأول. ولا تزال شركة نفط الشمال تحاول إخماد حرائق الآبار النفطية في مصفى “القيارة” النفطي بعد أن فجرها “داعش” في أغسطس الماضي.
سقطت الموصل بالكامل بيد “داعش” وقوات محلية متحالفة معه يوم 10 يوليو 2014. وشهدت المدينة نزوح عدد كبير من سكانها نتيجة المعارك. ومع بداية 2015، أعلنت قوات التحالف شن ضربات جوية على مدينة الموصل والمناطق التي يسيطرون عليها. عامان مرا الآن وهو عمر قصير طويل على وجود “داعش” في الموصل العراقية حتى أعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي يوم 17 أكتوبر انطلاق معركة استعادة الموصل. وكانت القوات العراقية والبشمركة قد بدأوا، فجر الإثنين الماضي، بدعم من التحالف الدولي وتحت غطاء جوي من طائراته، هجومهم لاستعادة الموصل التي يقطنها 1.5 مليون نسمة.
الموصل لها رمزية كبيرة بالنسبة لهذا التنظيم الذي ارتكب جرائم مروعة في التاريخ الإنساني الحديث على مستوى التنظيمات. والرمزية تلك في إعلان التنظيم نفسه الذي فيه ولد وأعلن الخلافة المزعومة للمرة الأولى حين ظهر خليفتهم أبو بكر البغدادي على منبر الجامع الكبير. وعدد أعضاء “داعش” في الموصل يعد بالآلاف، حسب إحصائيات عالمية وأممية. وقد كان الصراع الأهم لـ “داعش” خلال السنتين الماضيتين مع العراقيين بمكوناتهم كافة. ولا شك أن غياب مفهوم الدولة الحقيقي في العراق سبب في ذلك، منذ سيطرة “داعش” على الموصل في عهد حكومة نوري المالكي الفاسدة وحتى سيطرة إيران واحتلالها المشهد العراقي.
الحرب الجغرافية على “داعش” لا تعني الحرب الفكرية والأيديولوجية. إذ لا شك أن فكر التنظيم لا يسيطر على الجغرافيا فقط. بل له سيطرته الأخطر على العقول حول العالم. و”داعش” أشبه بفيلم هوليوودي أمريكي بين صراع قوى الخير وقوى الشر. بين الفساد وغياب الحكومة الحقيقية وبين استعادة الطريق. الموصل الآن أحد أكبر المعارك في المنطقة ليس فقط لدحر معقل التنظيم بل أيضا لتداعياتها اللاحقة سياسيا. إنها حرب الجغرافيا والأيديولوجيا كما النفط.