أخذ قانون جاستا كفايته الكثيفة من ردود الفعل دوليا وإقليميا ومحليا، وذلك على مستويات إعلامية واجتماعية واقتصادية وقانونية. لكن أهم ردود الفعل تكمن في الردود الدبلوماسية السياسية والاستراتيجية. هذا إذا ما أخذنا في الحسبان التشريع نفسه وما يحتويه من شروط تخرج من الإطار القانوني إلى السياسي، حيث بإمكان الإدارة السياسية الأمريكية إيقاف الدعاوى. وهذا يشير إلى الأهمية السياسية فوق القانونية في الأمر.
ولو كان الأمر يتعلق بالتشريع كوسيلة للرد على دولة تسببت في شيء كأحداث سبتمبر، رغم تبرئة المملكة من قبل جون برينان رئيس الاستخبارات المركزية، فلن تترك الولايات المتحدة الرد على السعودية على عاتق مواطنيها وقضاياهم. فقد سبق للإدارة الأمريكية نفسها أن فعلت ذلك بالحصول على تعويضات مالية من إيران حين أصدرت المحكمة العليا الأمريكية، أخيرا حكما لمصلحة ضحايا هجمات إرهابية وعائلاتهم، يمهد الطريق لحصولهم على نحو ملياري دولار من الأصول المجمدة للبنك المركزي الإيراني في الولايات المتحدة، ومنها تفجير ثكنة لمشاة البحرية الأمريكية في بيروت في 1983 الذي أسفر عن مقتل 241 أمريكيا. كذلك فعلت الولايات المتحدة مع ليبيا من جراء القضية الشهيرة لوكيربي، وقد تم تحويل مبلغ التعويضات وقيمته 2.7 مليار دولار من البنك الوطني الليبي إلى حساب في بنك التسويات الدولية في سويسرا. وغير ذلك من الأمثلة الدولية الأخرى.
ورغم الزخم الكبير، كان رد فعل السعودية على إعلان نقض الكونجرس لڤيتو الرئيس وتمرير القانون مترويا كالعادة. أرفق ذلك بمحادثات مستمرة مع البيت الأبيض حول القانون المفترض تعديل ما فيه بعد انتخابات الكونجرس. لا شك أن هناك تحولا في المزاج العام للنخب السياسية الأمريكية، من اليساريين واليمينيين، فيما يخص العلاقات السعودية – الأمريكية خاصة مع متغيرات المرحلة وزمن الاعتماد على النفط الذي بدأ يتضاءل أخيرا مع طفرة النفط الصخري الأمريكي. وهذا يعيد زاوية العدسة ليس فقط إلى تغيرات المزاج الأمريكي فحسب، بل إلى دورنا في التغير والتماهي مع المرحلة، والوصول بصورة أخرى تخدمنا مع هذه المتغيرات. خاصة مع السخط المتنامي ضد التشدد والتطرف والإرهاب في العالم، ويتم تحميل المملكة تبعات ذلك بصيغ مختلفة.
لا شك في الخطورة الكامنة من قانون جاستا، لكن الولايات المتحدة تعي أهمية السعودية لمصالحها القومية وأمنها الوطني كحليف حيوي في منطقة مشتعلة بمن فيها. وقانون جاستا قد يشكل عقبة صغيرة أو كبيرة بحسب تطور الأحداث. تأثيرات القانون المستقبلية وما يترتب عليها لاحقا، هي رهن لطريقة التعامل معها وحلها وعلاجها سياسيا ودبلوماسيا. وفوق ذلك، المراهنة على ما تحمله الرؤية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة التي تقدم المملكة للخارج بصورة جديدة تتماهى وضرورة التغيير والإصلاح والانفتاح العاجل.