قاد أخيرا الفنان التشكيلي السعودي القدير عبد الناصر غارم، مجموعة فنانين شبابا في معارض جابت عددا من ولايات أمريكا. طبيعة هذا الفن المقدم ورسائله عميقة على المستوى الفني، وعلى مستوى تعبير القوة الناعمة للمملكة. كذلك كان لافتا تقديم الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة للصين لوحة فنية للفنان السعودي القدير أيضا أحمد ماطر، وهي لوحة تستعرض مشروع طريق الحرير، المشروع المدلل للصين، الذي يدغدغ مشاعرها وأحلامها. فقبل أقل من عامين شدد الرئيس الصيني على أهمية زيادة القوة الناعمة للصين والتواصل مع العالم. يتضح ذلك في مجموعة من المبادرات والأحلام الصينية الجديدة، وطريق الحرير واحد منها. بلا شك لا يمكن اختزال القوة الناعمة في الثقافة والأطعمة والفن فقط كالكوكاكولا الأمريكية والأجبان الفرنسية والبوكيمون اليابانية ولا حتى “جزيرة” قطر التي لعبت دورا سياسيا حتى تراجعها المدوي الأخير. فكل ذلك يحكمه سياق معين وهندسة دقيقة. مصادر القوى ليست عسكرية فقط. وتزايد أهمية القوة الناعمة في العالم يعود لسبب مهم وهو أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها غير ممكن في العصر الحالي. وذلك يعود إلى الانفتاح وتزايد تأثير وقوة التكنولوجيا ووسائل الاتصال المباشرة بين البشر في العالم. الأمر الذي يتطلب استراتيجية لقوة ناعمة تضمن حلفاء ليس من الحكام فقط بل من الشعوب. ولطالما كانت منتجات وثقافة أمريكا الشعبية القوة الناعمة الأبرز، فهي تملك ثلثي العلامات التجارية الأهم في العالم والموسيقى والسينما والبرامج التلفزيونية، والعلوم وجوائز نوبل والتكنولوجيا، والرياضة والميداليات الذهبية الأولمبية، والبحوث والمبتعثين وغير ذلك. لكنها في المقابل خسرت جزءا كبيرا من جاذبيتها بسبب بعض السياسات.
ويبقى دور الثقافة النخبوية مهما من خلال التبادل العلمي والأكاديمي، فالطلبة المبتعثين الذين يظهرون في صور اللقاءات الدولية مع السعودية مثال لقوة ناعمة، لكنها لا تعمل بالشكل الفردي الصحيح في تعزيز قيم المملكة بقدر ما تحمل ثقافة الدول المبتعثة إليها بشكل عكسي إلى دولتهم الأم. وكثير من التكنوقراط المعروفين في السعودية من الذين درسوا في أمريكا وبريطانيا كانوا سفراء ثقافيين لتلك الدول بشكل غير مباشر، من خلال تبوئهم مراكز قرار في المملكة. وهنا تبدو، كمثال، قيمة وجود الدكتورة غادة المطيري على الساحة الأمريكية وغيرها من الأطباء والمسؤولين السعوديين، بعضهم مغمورون في المؤسسات الأمريكية والغربية. كما تبرز الثقافة الشعبية المتمثلة في الأدب والفن والرياضة والسينما وغيرها. وهذه الأدوات تنقل وترسخ القيم والأفكار المجتمعية للشعوب وتقدمها على طبق شهي مثلما قدم فيلم المخرج السعودي محمود صباغ وقبله المخرجة هيفاء المنصور، اللذين رشحت أفلامهما للأوسكار في بلد لا يتعامل مع السينما حتى الآن. وغير ذلك من أفلام وكوميديا الشباب السعوديين متعددي اللغات مثل فهد البتيري وغيره… وللحديث بقية في الحلقة المقبلة.