أحببت الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية منذ صغري، ولا أدري لماذا، فلا والدتي عازفة بيانو، ولا والدي كان «سوبرانو»، مع كل حبي واحترامي لهما. ولكن لسبب ما كانت تنتابني قشعريرة، Goosebumps، أو كشة بدن، كلما سمعت ماريا كالاس، مثلا وهي تشدو بـ La Traviata, Norma, or Madama Butterfly.
لا أحاول هنا ادعاء المعرفة، ففهمي للأوبرا والموسيقى العالمية عموما، بعد أكثر من نصف قرن من الاستماع لها، لا يتجاوز فهم الكثيرين، ولكني اتكلم هنا عن مشاعري الشخصية لحظة الشعور بالنشوة التي تشبه تلك التي يشعر بها من يهيم بسماع صوت المطربة الهندية فيجيتي مالا دون ان يعرف كلمة هندية غير «رفيك»!
منذ أن دخلت أول دار أوبرا عام 1968 في لندن، وغيرها من الدور العالمية بعدها، هذا غير محاولتي الفاشلة شراء المطعم التابع لأوبرا «آلا سكالا»، في ميلانو، الدار الأشهر في العالم، وكان ذلك عام 1980، وأنا احلم بوجود دار أوبرا في الكويت. وسبق أن قلت، قبل اكثر من عشر سنوات، لسيدة رائعة من «الأسرة»، ولها نشاط موسيقي جميل، وبحضور راعي «صالون الموسيقى»، باستعدادي للتبرع بمبلغ كبير لبناء أوبرا، إضافة لتولي مهمة جمع المبلغ اللازم لذلك، مع تبرع راعي «صالون الموسيقى» بعمل كامل التصميمات الهندسية على حسابه، شريطة حصولنا على الموقع المناسب من الدولة. ولكن كالعادة مات حلمنا، إلا أن بعث ثانية يوم دعي كبار رجال الدولة، قبل بضع سنوات، لحضور حفل افتتاح دار أوبرا «عمان» في مسقط، حيث عاد الجميع بانطباع جميل عن تلك المناسبة وبحسرة لعدم وجود ما يماثلها في الكويت، التي كانت يوما درة الخليج ومركز الإشعاع وحاضنة التنوير في المنطقة بأسرها، بمسرحها وفنانيها وحفلاتها وروعة فنونها المتعددة، التي اختفت مع ارتفاع موجة التخلف التي جلبها الإخوان والسلف والتلف معهم، وأدخلونا والبلاد في نفق مغم ورطب، ليس بداخله إلا السكوت أو الحديث بجدية عن كل ما يغم النفس ويكتم الأنفاس.
بالأمس، الاثنين، سعدت وغيري، بحضور حفل افتتاح «دار أوبرا الكويت»، مركز جابر الأحمد الثقافي، ولا يمكن وصف شعوري وأنا بداخل ذلك الصرح الذي طالما انتظرت بزوغه في وطن الحب والجمال.
وحيث ان المشروع اصبح واقعا على الأرض، ويشكل رأس حربة لمحاربة التخلف، فإن اي كلام سلبي عن تكلفته أو من سيديره، يعتبر لغوا لا طائل منه. ففي الحروب يتم التضحية بالأموال والأرواح من أجل تحقيق النصر، ونحن اليوم في حرب حضارية مع أعداء الفرح وكارهي النهضة ومحبي الظلام، ولا صوت يعلو على صوت معركتنا السلمية مع قوى التخلف.
نشكر الحكومة، ولكل من ساهم في إيجاد هذا المعلم الثقافي العظيم على أرض الكويت، ونتمنى أن يكون يوم 31 أكتوبر 2016 يوما مشهودا في تاريخ الكويت، وبدء خروجنا من نفق الغم، وعودة الكويت الى طريق التقدم والنهضة.