عندما احتجز الممثل دينزل واشنطون مجموعة من الناس كرهائن في منطقة الطوارئ بأحد المستشفيات في فيلم «جون كيو» للمخرج نيك كاسافيتس، أقدم على هذه الخطوة المزلزلة بحثاً عن قلب لابنه «مايكل» الذي كان في حاجة ماسة لزراعة قلب، ولا يغطي تأمينه الصحي تكاليف زراعة القلب للابن الغالي.
تتوالى الأحداث، حتى يقرر الأب «جون» التبرع بقلبه إلى فلذة كبده، وفي ذلك تفاصيل كثيرة؛ لكن من بين الحوارات المؤثرة، ذلك الحوار الذي دار بينه وبين ابنه «مايكل» قبل أن يتخذ قراراً بإطلاق الرصاصة على رأسه ليقوم الأطباء بنقل قلبه إلى ابنه! جاء إلى طفله وهو مدّد على السرير في حالة إعياء ليودعه ببضع كلمات ونصائح، وكان من بين تلك العبارات: «لاتزال صغيراً على أن تعرف الفتيات… لكن، عاملهن كأميرات»!
ربما لا يعرف الأب «جون» أن معاملة «الفتيات كأميرات»، يقابلها في الثقافة الإسلامية الشيء الكثير من تكريم المرأة في نصوص القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة، فهي الواردة في نصوص كثيرة على أنها الجوهرة الثمينة التي منحها الله سبحانه وتعالى أعلى الدرجات والمراتب، غير أن بضع كلمات أو عبارات أو مقطع من مقابلة متلفزة هنا أو تغريدة هناك أو مشهد من مسابقة للشعر، قد تنتشر بين الناس بشكل كبير جداً لتثير موجة غاضبة أساسها الألفاظ أو الأوصاف التي «تحتقر المرأة».
واحدة من تلك الزوابع، ما أثاره شاعر خليجي شاب وقف أمام لجنة تحكيم في مسابقة للشعر، ليستخدم عبارة «كرمكم الله» بعد كلمة «المرأة النساء» فما كان من أحد أعضاء لجنة التحكيم إلا أن أوقفه عند حده وتلا ذلك قرار طرده من المسابقة، وأخرى أثارتها بضع فتاوى لبعض من يطلقون على أنفسهم دعاة وأهل فتوى تسيء إلى المرأة ككيان كرمه الله، ولعل الجدل الأحدث هو ما أثاره أحد المرشحين لانتخابات مجلس الأمة في الكويت (وهو نائب سابق)، قبل أيام عندما وقف أمام الميكرفون متحدثاً على منصة انتخابية مطالباً بمن لديه اعتراض أو نقد على أداء النواب أو يتحدث ويتقدم «اللي عنده شي يطلعه لنا»… «ما يقعد في تويتر يكتب مثل الحريم كرمكم الله».
ومع التعليق البسيط والموجز لرئيس منظمة كويت ووتش لحقوق الإنسان نواف الهندال على المرشح النائب: «حسافة فيك تعب التسعة شهور اللي بعد هالعمر ترد لها تعبها بكلمة (كرمكم الله)»، تتمحور المواقف الرافضة بشدة، سواء على مستوى الكويت أو الخليج أو العالم العربي والإسلامي، للعقليات والأفكار التي لاتزال تنظر إلى المرأة باحتقار وإساءة! كيف ذلك وهي: الأم، الأخت، الزوجة، الابنة؟ وحين يقول قائلهم في وصفها: «كرمكم الله»، فمن يقصد بالضبط؟ وأياً ما كان قصده، من أين تأتي هذه الثقافة الوضيعة، أليست من مجتمعات تقدس الدين وفي الوقت ذاته تجد في بعض الدعاة من لا هم له إلا ازدراء المرأة؟
هذه النظرة الدونية للمرأة لن تتوقف بالوعظ والإرشاد وما إلى ذلك من أقاويل «عاطفية ممجوجة»، ولن يقبل الناس عبارة: «خان فلان التعبير»، أمثال هؤلاء حين يتجاوزون حدودهم مع «المرأة… الكيان الكريم العالي المكانة في قلوب الإنسانية جمعاء»، فليس لهم إلا العزل، إن كانوا يطمحون في أصوات المرأة في الانتخابات، وليس لهم إلا القانون ليؤدبهم، ليعرفوا مكانتهم الحقيقية وهي «نكران الجميل العظيم لأمهاتهم الكريمات»… وحسناً فعلت المواطنة الكويتية وفاء كرم، وعليها ألا تتراجع عن شكواها مهما كانت الظروف.