هل من باب المصادفة تزامن عدة انفراجات إقليمية دفعة واحدة، أو وجود مؤشرات على ذلك، منها قرب الاتفاق على انتخاب الرئيس اللبناني وتحديداً شخص ميشيل عون، مع العد التنازلي لتحرير آخر معاقل “داعش” في العراق وهو الموصل، في موازاة التفوق العسكري للجيش السوري على عدة جبهات ومن أهمها حلب، وأخيراً المبادرة الأخيرة التي حملها المبعوث الأممي لليمن تتضمن مشروعاً شاملاً تتناصف بموجبه السلطة جبهة الرئيس هادي من جهة والحوثيين وأنصارهم من جهة أخرى؟
هذا المثلث الملتهب بالإضافة إلى المشهد اللبناني المتوتر سياسياً استنزف المنطقة العربية بشرياً واقتصادياً وعسكرياً إلى حد مأساوي، وكان الوعاء الذي خلط كل الأوراق واستدرج كل الدول العربية تقريباً وحولها إلى خصوم، وبث روح العداوة بين الشعوب، والنتيجة هي غمامة سوداء كبيرة تغطي أجواء كل المنطقة.
فما دوافع هذه الانفراجات؟ وهل ستستمر؟ وهل يستبدل العنف والقتل والدماء بالاستقرار والبناء والأمان؟ لقد ذكرنا مراراً في هذا الصدد أن القوة العسكرية لم تعد الأداة الأولى أو الوحيدة لحسم المشاكل، فالعالم قد تغير جذرياً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولم تحسم القوة الحربية مهما كانت قدراتها وتفوقها أي مشكلة حول العالم من فيتنام شرقاً حتى كوبا غرباً، فقد تتعقد المشاكل وتتطور في حالة التدخل العسكري من عدة أطراف، وتتأرجح معها الموازين الميدانية، الأمر الذي شهدته الملفات العربية الثلاثة، وهي العراق وسورية واليمن ولو بسيناريوهات مختلفة، إلا أن العامل المشترك لهذا التوازن كان الثقل الروسي وتحالفاته الإقليمية في مقابل الولايات المتحدة التي توهمت أنها ما زالت شرطي العالم أو إمبراطور الكون!
من جهة أخرى فإن تمدد التنظيمات الإرهابية وخصوصا “داعش” كان بسبب الدعم السياسي والمادي والعسكري لها على مدى عدة سنوات، ومن جهات ودول عديدة إما بقصد وإما باعتبارها أداة لضرب خصومها، وهذه المعادلة تغيرت اليوم، فكل دول العالم تقريباً تعلن على الأقل رسمياً أنها تحارب “داعش” وأخواتها، والمثالان السوري والعراقي خير دليل على ذلك.
أما حول التكهنات بالانفراج السياسي فإن مصير هذا الخيار يعتمد على مدى استيعاب الدرس من كل أطراف الإقليم وتفعيل الدبلوماسية والحوار بدلاً من لغة الدم والدمار، فمع انفراج بعض الجبهات بدأت جبهات جديدة في التوتر كالجبهة التركية العراقية، والخلاف المصري السعودي، وهذه تحمل مؤشرات خطيرة أيضاً، وإن لم تصل إلى خيار المواجهة، لكنها تظل عامل قلق ومنبعا للتشاؤم حتى إن تمت حلحلة الملفات الساخنة الراهنة، وإذا أردت أن تعرف السبب الرئيس وراء هذا المشهد وفصوله المسرحية فهو الدور الأميركي المشبوه دائماً، فالمرشحة الديمقراطية للرئاسة كلينتون، وهي وزيرة خارجية الولايات المتحدة، اعترفت رسمياً أمام الكونغرس بدعم المنظمات الإرهابية وتبنيها بل تأسيسها في المنطقة، والتحريض المبطن لواشنطن لدول المنطقة ضد بعضها بعضا لم يعد خافياً حتى على العواصم العربية، والمخزون الهائل من النفط الأميركي الذي من شأنه فك ارتباط العم سام مع الدول العربية النفطية، وأولها الخليج، قد يكون من أبرز أسباب ترك المنطقة تحترق، أو حتى إدارة مشاريع الفتنة فيها حتى تسبح في مستنقع من الخلافات والعداوات التي تستنزف مواردها وتضعفها جميعاً، ومع هذا ما زلنا لا نستوعب كل هذه الصفعات!