في أوج الصراع العنصري بين الأقلية البيضاء والأكثرية السوداء في «جنوب أفريقيا»، قال القس دزموند توتو، الحائز على نوبل للسلام، إن من المؤسف استمرار الصراع، وسقوط كل أولئك الضحايا، والحكم في النهاية سينتقل للأفارقة السود، فلِمَ لا ينتهي الصراع الآن، وننقذ أرواح الآلاف؟
نكتب ذلك على ضوء الصراع السني ـ الشيعي الذي يهدد حريقه بالامتداد لكل دول المنطقة، والذي يعود سببه للجهل وللتهميش المتعمد من قبل المتخاصمين ومن بعض السلطات لقوانين الدولة، وعدم الاكتراث بدور المؤسسات، وغياب الحريات، والعبث بحقوق الأقليات الدينية والإثنية، وهذا ما استغلته قوى الظلام والتخلف لتوسِّع من نفوذها. هذه هي الحقيقة التي لا يود الكثيرون الالتفات اليها، وتجاهلهم لحقيقة أن ليس بمقدور أي طرف، مهما فعل، القضاء على الطرف الآخر، وعليه من السخف استمرار الصراع العبثي إلى الأبد.
في مقال مميز للزميل والصديق خليل حيدر بعنوان «شيعة الكويت والصراع الإيراني – السعودي»، 20 – 09 – 2016، طالب فيه شيعة المنطقة بدور إيجابي مهدئ في التشابك السعودي – الإيراني المتواصل، وفي الصراع والتشاحن الطائفي الناجم عنه، لأنهم، حسب قوله، سيجدون أنفسهم ذات يوم، وفي دول مجلس التعاون بالذات، أكثر من سيدفع ثمن تصاعد واستمرار هذا الصراع!
ووجه الكاتب اللوم لبعض قادة الشيعة وفعالياتهم لصمتهم السياسي الإعلامي. ووصف تصرفاتهم بعدم الحصافة لتحكم الحسابات السياسة والمشاعر الطائفية في قرارهم، علما بأن موقفهم ليس في مصلحة ومستقبل الشيعة ومستقبل استقرار العلاقات الاجتماعية والسياسية وازدهارها داخل مجتمعهم الكويتي والخليجي!
كما لاحظ في مقاله، أن كل هذا العدد الكبير من الخريجين والمتعلمين والمثقفين في صفوف الشيعة، وأغلب المتابعين منهم للوضع الإيراني، يميلون للمحافظين والسياسة الإيرانية الرسمية وأفكار رجال الدين وتصورات ولاية الفقيه، في الوقت الذي نرى فيه الشعب الإيراني نفسه منقسما بين السياسة الرسمية وبين التيار الإصلاحي المعارض لهذه السياسية في الداخل والخارج، ومنهم من يدعو إلى وقف التدخل في الشؤون العربية والخليجية، والتصالح مع السعودية وعموم أهل السنّة والدول العربية، وبناء سياسة وطنية تنهض بإيران وتنعش اقتصادها وتنقذ عملتها وتسهل على المواطن الإيراني السفر والإقامة والانتقال، وتبعد إيران عن مجموعات التشدد والتطرف والتدخل وغيره.
ومع اتفاقنا مع آراء الزميل العزيز، ابو عزيز، إلا أن المسألة ليست بطبيعة الحال، كما يعلم هو، بهذه البساطة. فالجهل هو سيد الموقف، وغياب الحريات الأساسية يضخم ويقوي هذا الجهل. وبالتالي ليس من الإنصاف إلقاء تبعات استمرار الصراع على امتناع بعض «عقلاء الشيعة وبعض قادتهم» عن التدخل لإنهاء الصراع، فهؤلاء غالبا سياسيون ورجال دين، وشعبيتهم ربما تكمن أصلا في بقاء الاختلافات، وبالتالي فلا أمل يرتجى منهم، وهذا يضع مسؤولية إنهاء الصراع، أو التخفيف منه، على كاهل حكومات المنطقة التي ساهمت مناهجها الدراسية ووسائل إعلامها وسكوتها «المريب» عن فضائيات ومطبوعات الفتنة، في إفساح المجال لمؤججي الطائفية ولرؤساء بعض الأحزاب الدينية، فنجح هؤلاء في تعميق الهوة الطائفية ودق أسافين الاختلاف بين فئات المجتمع. فمن خلق المشكلة بيده هو فقط يحلها.