منذ زمن والبلد يدور في دوامة لم يستطع الخروج منها إلى يومنا هذا، وفي كل يوم تكبر هذه الدوامة، وتزداد الخسائر وتتعمق الجراح، وتترسخ سوابق خطيرة في العمل السياسي والبرلماني، ويتم البناء عليها، ولا أدري كم سيصمد هذا البنيان قبل أن ينهار، ما لم نتدارك الوضع!
جوهر الصراع، الذي يجعلنا ندور في هذه الدوامة، هو أن هناك بعض الأطراف تريد وضع قواعد اللعبة السياسية، والتحكم فيها بشكل كامل، ورسم الأدوار للأطراف الأخرى، مع بقاء هامش يسير جداً لبقية اللاعبين يتصارعون فيه، من دون أن يحققوا أي تقدم، ومن دون السماح لهم بكسب أي جولة أو توسيع المنطقة المحدودة التي يلعبون فيها، وإذا امتدت أعينهم خارج تلك القواعد، فإن المصير الذي ينتظرهم هو العودة إلى المربع الأول، مع هامش أقل، وإلا فإن الإقصاء من اللعبة في انتظارهم!
طريقة الحل لأول مجلس أقيم وفق نظام الصوت الواحد تضاف إلى السوابق، التي تستهلك من رصيد التجربة السياسية الكويتية، وهذا مؤشر باعتقادي على تراجع التجربة السياسية، ربما يؤدي إلى ترسيخ أولوية المصالح الخاصة والضيقة.
في السابق، كنا نتحدث عن الخلل في إدارة النهج، الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا، ويرجعنا إلى نقطة البداية في كل محاولة للتقدم، لكننا حاليا نرجع إلى ما قبل نقطة البداية، فلم تعد التجربة تراوح في مكانها، أو تعيد إنتاج نفسها، وإنما صارت تنتج التراجع، وتفرز المزيد من الأمراض السياسية والاجتماعية، التي امتدت آثارها إلى فئات ودوائر لم تكن تعاني منها!
بعيداً عن جدلية المشاركة والمقاطعة، علينا قبل ذلك أن نعي حقيقة المشكلة، ونحسن تشخيص المرض، ونضع اصبعنا على الجرح، ونسمي الأشياء بأسمائها، فإن ذلك سيساعد كثيراً في رسم خريطة الطريق للخروج من هذه الدوامة، قبل أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه تكلفة الإصلاح أعلى بكثير من تكلفة استمرار الفساد!