من المؤسف جدًا أن تتوالى الأحداث الجسيمة وسط وحول منطقة الخليج العربي، فيما ثمة ظواهر تنخر من الداخل وكأنها أصبحت من المسلّمات المقبولة والطبيعية، ومنها التكفير والطائفية، ولعل الكثير من الكتاب والباحثين والمهتمين، كثفوا عملهم وكتاباتهم في هذا الحقل لكونهم من أشد مهددات الاستقرار خطورة… فهل يغرق الخليج في الطائفية؟ ولماذا كل هذا الفشل في تطويق مسببات بث الطائفية والتناحر والصدام العقائدي؟
وليس هناك ما يمكن اعتباره أفقًا مجهولًا لمخاطر الطائفية التي عجزت الكثير من الدول والحكومات عن وأدها، حتى أن الحقيقة المنطقية التي يمكن القبول بها في غمرة كل ذلك التهاون، ان الطائفية والتكفير والعنصرية والتمييز المرتبط بالفساد وغياب العدالة الاجتماعية، لا يمكن أن تنتشر إلا في مجتمعات ودول وحكومات هي في الأساس أفسحت الطريق لها لكي تنمو وتترعرع وتنتشر، وإلا فما من دولة تريد سحق الطائفية والحفاظ على نسيجها الوطني وحماية كل المكونات والأديان والمذاهب إلا ونجحت في ذلك.
في هذا الإطار، بذل الكاتب والإعلامي الزميل بسام ناصر جهدًا متواصلًا في بحث ظاهرة الطائفية من بوابة تدعو للتأمل، وهي مقولة لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن حرب المئة عام بين السنة والشيعة، واعتبرها كمحور رئيس لتفسير الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، فتلك الأبحاث والتحقيقات الصحافية الاستقصائية والحوارات التي قامها بها تكشف أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها حليفتها إسرائيل ستنجحان في فرض هيمنتهما على منطقة مجزأة، تشتعل فيها الحروب المذهبية والطائفية والإثنية هو تأجيج الخلاف العقائدي بين السنة والشيعة.
وهناك الكثير من المحاور التي يتوجب على الحكومات العربية والإسلامية أن تضعها في الاعتبار كخلاصة لمهمة تفسير الصراع الطائفي المفروض على الأمة، منها:
أ- الدوافع الطائفية في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي ما هي إلا تخطيط ماكر وتوظيف ذكي لورقة الطائفية لإضعاف المجتمعات وتفتيتها عرقيًا ودينيًا ومذهبيًا.
ب- على شاكلة حرب المئة عام بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا أواخر القرن السادس، يمكن اشعال الحريق الطائفي في المجتمع الإسلامي بتأجيج وتوسعة الصراع السني الشيعي، والأخبث في المسألة كلها هي توظيف المنابر التكفيرية والمتشددة والمتطرفة من الجانبين، ودعم منصات الإعلام المأجور وفضائياته لصب الزيت على النار، وإضرام الدمار في كل بيت إن أمكن، بما في ذلك بث محركات الفتن والقضايا الصدامية حتى بين أتباع الدين الواحد بل والمذهب الواحد.
ت- هناك مخاوف كبيرة من استنزاف مقدرات المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها المجتمع الخليجي قطعًا، من خلال توظيف الصراعات العابرة للحدود، فهي كفيلة بتفجير الأوضاع الداخلية في هذا البلد أو ذاك، والنتيجة إضعاف الاقتصاد وسحق السلم الاجتماعي وتسميم النسيج الوطني، وبالتالي، تدمير الاستقرار.
بإمكان دول الخليج العربي، وهذا ينطبق على سائر الدول العربية والإسلامية، أن تنجو من الغرق في المستنقع الطائفي المصاغ بأسلوب تآمري، فلم يعد الخطر المحدق هو تكرار القول بأن الغرب يحيك للأمة الإسلامية خطط التدمير الفتاك! فهذا، وإن كان صحيحًا، لن يكون أكثر فتكًا من توظيف المنابر والإعلام والمناهج الدراسية في رفض الآخر… الشريك في الوطن نظرًا للاختلافات الدينية والعقائدية، وليس معقولًا أن يكون في الإعلام الخليجي من ينفخ في نار الطائفية والتكفير دون محاسبة ومساءلة. إذاً، من المهم أن تكون لدول الخليج استراتيجيات وطنية في مناهضة الطائفية والتطرف وازدراء الأديان، لكن تلك لن تنفع حين يتم تطبيقها بمزاجية (طائفية هي الأخرى)، أي أن تنطبق على فئة وتزال عن فئة أخرى.
حتى الآن، شكلت بعض الدول هيئات لمناهضة الطائفية وسنت تشريعات وقوانين، ومع ذلك لاتزال الظاهرة قائمة! فإن كان القصد من المناهضة هو الوجه الشكلي، فهذا ليس حلًا على الإطلاق، وإن كان المراد هو ترسيخ المواطنة الكاملة في قبال الطائفية والقبلية والمذهبية، فهذا يعني أن يعيش كل إنسان/ مواطن، مهما كان دينه ومذهبه وعرقه، عزيزًا في بلاده وله كامل حقوقه وعليه كامل واجباته… عدا ذلك، فالليل طويل.