لم يتبق كثير حتى نوفمبر، حيث يترقب العالم انتخاب القوة الأمريكية العظمى لرئيسها، كما يحدث كل أربع سنوات. إلا أن هذا العام هو عام التسلية بلا منازع، حيث يتبارز، حرفيا، فيه دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. يبدو الانتظار مملا لأن من سيحكم البيت الأبيض بين 2017 و2021 سيكون أحد خيارين أحلاهما مر. ترامب المتهور عديم الخبرة وهيلاري التي غالبا وريثة سياسة أوباما. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط الملتهب لا تبدو هناك مؤشرات مطمئنة بالنسبة لحكم أي منهما. وذلك مع إمكانية توقع نهج السياسة الخارجية تجاه المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى سقوط الآمال حين يشهد الداخل الأمريكي وخارجه فصولا من مسرحية ساخرة بطلاها مرشحا الرئاسة الأمريكية أنفسهما. وهو بلا شك السباق الأكثر إثارة ربما في تاريخ الانتخابات الأمريكية، بين شخصيتين متناقضتين إحداهما امرأة لها وهج أول سيدة رئيسة في البيت الأبيض وليست سيدة أولى، بل مع أول “سيد أول” ورئيس سابق!.
ولا شك أن ملفات السياسة الخارجية متراكمة على طاولة الرئيس القادم التي لا تنحصر في المنطقة وإن كانت الأكثر اشتعالا. فهناك الحرب على الإرهاب إلى النزاع الأوكراني، والتوتر الروسي – الأطلسي، والمشكلات في بحر الصين وشبه الجزيرة الكورية، والأزمات في سورية والعـراق وليبيا واليمن وبينهم القضية الفلسطينية، وفوقها ملف إيران النووي وميليشياتها. وبطبيعة الحال يترقب العرب والإقليم السياسة الخارجية الجديدة ومتغيراتها وأن ثمة متغيرات. يأتي هذا الترقب في مرحلة تقطف فيها المنطقة ثمار عقيدة أوباما، فهروب الإدارة الحالية من معالجة إدارة الأزمات منذ سنوات خلف تداعياته المربكة أيضا على العلاقات الأمريكية وشركائها وحلفائها في المنطقة. ولا سيما وهو يغادر بخيبة المفلسين من رهان فاشل بشأن الشراكة مع إيران. إلا أنه وبرغم الخيبات، لم يعد مجديا إبداء الرأي في سياسة الرئيس الراحل وترقب القادم فقط دون تحركات عملية، إذ ليس هناك مؤشر مطمئن على تراجع الصراعات في المنطقة. بل المزيد من السخونة والاشتعال إن لم تحدث معجزة حقيقية.
ولا شك أن صناعة القرار في السياسة الخارجية الأمريكية ليس كصناعة القرار في أي دولة. فالولايات المتحدة دولة لها نظامها المختلف، وهي ساحة تسمح للجميع بولوجها من خلال جماعات المصالح والضغط، من أكبر دولة بعد الولايات حتى أصغرها. وأول القوى المحركة والمؤثرة في السياسة الخارجية بطبيعة الحال الرئيس الذي يرسم الفلسفة العامة ويدير التوجهات، يليه الكونجرس بدعم الدستور لهذه الشراكة، هذا عوضا عن عدة محركات منها جماعات المصالح، وقوى الضغط، والنخب من الخبراء والعلماء المتخصصين، ومن ثم أدوات الإعلام والرأي العام. إذن ورغم الترقب، إلا أنه لم يعد مجديا البحث عن حسنات وسيئات دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون، بل الأهمية الآن تكمن في التعامل مع القضايا بواقعية وبناء علاقات مؤسساتية عملية تقوم مقام جماعات المصالح وقوى الضغط. وقد تمثل التحركات السعودية الأخيرة، من زيارات رسمية بعضها ذو طابع اقتصادي، خطوات في الاتجاه الواقعي كذلك. وهي تتماهى مع دور جماعات المصالح وقوى الضغط ذات العلاقة بالصناعات العسكرية والنفط والاستثمار، تلك التي سعت للوقوف ضد قانون جاستا وشروطه مثالا.