ماااات؟ هذا السؤال بصيغة الاستغراب الكبير ينطلق بذهول وبعالي الصوت عندما تسمع خبر وفاة شخص فجأة، حيث تتساءل: لم يكن مريضاً وقد رأيته سالماً معافىً قبل أيام؟! هكذا كان وقع حل مجلس الأمة دونما سابق إنذار، فالمجلس كان في كامل عافيته على صعيد الإنجازات الباهرة ونجاحه التاريخي، وبعلاقة السمن والعسل والغزل المتبادل بينه وبين الحكومة على مدار ثلاث سنوات متواصلة، أما المبررات التي وردت في مرسوم الحل فلا علاقة لها على الإطلاق بتفسير قرار شطب البرلمان، مهما كانت الآراء السياسية السلبية على أدائه، فقد جاء في ديباجة المرسوم “ونظراً للظروف الإقليمية الدقيقة وما استجد منها من تطورات وما تقتضيه التحديات الأمنية وانعكاساتها المختلفة من ضرورة مواجهتها بقدر ما تحمله من مخاطر ومحاذير، الأمر الذي يفرض العودة إلى الشعب مصدر السلطات لاختيار ممثليه للتعبير عن تطلعاته والمساهمة في مواجهة تلك التحديات”.
دستورياً دور مجلس الأمة في السياسة الخارجية يعتبر محدوداً جداً إلى درجة يمكن اعتباره تحصيل حاصل، إذ لا تملك السلطة التشريعية سوى إقرار أو رفض المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والجماعية وبأغلبية خاصة، ويكتفي المجلس في إبداء الرأي أو تقديم النصح أو تأييد السياسة الحكومية ومباركتها، الأمر المتوافر بشكل قاطع ويشبه الإجماع في مجلس 2013، بل إن الانتخابات القادمة قد تأتي عكس ذلك، حيث إن عدداً من النواب المحتملين يعارضون السياسة الخارجية الحالية “المتوازنة” بشدة، ومن المرجح جداً أن يشهد المجلس القادم سجالات حادة ومناكفات، ولعل مواجهات سياسية مع الحكومة في الشأن الخارجي قد تحدث مثلما انتهت به الحال في أواخر أيام مجلس 2009! ولذلك فإن هذا التبرير لا ينسجم والمواءمة السياسية أو التوقيت المناسب، خصوصاً أن الأحداث الإقليمية الحالية تحولت إلى واقع قائم قبل مجيء مجلس 2013 المنحل وطوال وجوده، ويبدو أنها ستستمر لفترة ليست بالقصيرة مستقبلاً.
إن القرار المفاجئ لحل المجلس، رغم توجيه الدعوات الرسمية لافتتاح دور الانعقاد بتاريخ اليوم تحديداً، 18 أكتوبر الجاري، وهذه التخريجة الغريبة تؤكد ما ذهبنا إليه في المقال السابق من وجود تنسيق نيابي-حكومي لإنقاذ ماء وجه مجلس 2013، وتقديم طوق النجاة لأعضائه، نتيجة للتذمر الواسع شعبياً من ضعفه الشديد وقراراته الخانقة للمواطن سياسياً واقتصادياً، وهذا ما أكدته مقابلة السيد رئيس مجلس الأمة المنحل عشية قرار الحل، فتلك المقابلة المطولة والمدروسة والمتزامنة مع قرار الحل وخلال العطلة البرلمانية، لم تكن سوى محاولة أخيرة لتلميع الصورة الهزيلة التي يراها الناس في المجلس، رغم التناقضات الواضحة التي وقع فيها الرئيس بين استعراض الإنجازات العديدة والإشادة المتكررة بالتعاون الحكومي من جهة، والإصرار على حل البرلمان والانتخابات المبكرة في نهاية اللقاء!
مجلس 2013 هو سابع مجلس تشريعي يتم حله على التوالي في غضون عشر سنوات فقط، رغم الفوارق الكبيرة في تركيبة كل منها، ورغم التغيير الكبير في النظام الانتخابي من حيث توسعة دائرة المشاركة أو آلية التصويت، ورغم تصنيف هذه المجالس بالمتوازنة أو التأزيمية أو حتى المسالمة والمطيعة حتى النخاع! في حين الحكومة هي نفسها برموزها ووزرائها وسياساتها وآلية عملها ونهجها، وفي كل مدة يتم التحالف مع مجاميع أو تيارات أو شخصيات وبمجرد انتهاء دورها وحلبها سياسياً يرمى بها في “محفظة” التاريخ، الأمر الذي يعزز الرأي الحكومي بأن العيب فينا كشعب، فيقال لنا في كل مرة تعالوا وانتخبوا “عدل”!