كل قرار تتخذه الحكومة مجتمعة أو بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة يلخص حالة الفوضى والعشوائية التي تعيشها دولة المؤسسات المفترضة، ولعل آخرها قرار مجلس الخدمة المدنية تخفيض بدل إيجار المعلمين الوافدين من 150 دينارا إلى 60 دينارا كويتيا بمعدل يفوق الـ50% بحجة ترشيد الإنفاق وتوفير 42 مليون دينار سنويا من جراء هذا التخفيض.
وبحسب تصريح وزارة التربية فإن قرار الخفض هذا سينطبق على 40 ألف معلم ومعلمة من أصل 65 ألف معلم ومعلمة تقريبا يعملون في وزارة التربية، أي أن ثلثي الهيئة التدريسية في مدارس الكويت سيتضررون من هذا التخفيض المفاجئ والمتزامن مع رفع أسعار المحروقات، وكذلك رفع تكاليف الكهرباء والماء قريبا!
بمعنى أوضح أنه تم خفض رواتب المعلمين الأجانب في وقت ستزيد عليهم تكاليف المعيشة من سلع واحتياجات من جراء ارتفاع أسعار المحروقات، وكذلك ستزداد عليهم تكاليف السكن قبيل زيادة أسعار الكهرباء والماء، والمتضرر من ذلك، أكرر مجددا، ثلثا الهيئة التدريسية في الكويت، علما أن المدرس الوافد يغترب عن وطنه بحثا عن فرصة عمل تمكنه من ادخار الأموال لإعالة أسرته والعيش الكريم بعد نهاية فترة عمله خارج وطنه، وليس حبا في الاغتراب والهجرة.
إذاً، فقد قررت حكومة دولة الكويت أن تضيق على ثلثي طاقم التعليم في الدولة بحجة توفير 42 مليون دينار كويتي، وهو ما سيجعل المعلم الوافد أمام خيارين لتعويض المبلغ المقتطع منه، خصوصا أن حاجته لهذا المبلغ ستزيد بناء على معطيات الزيادات في الأسعار الجديدة، أقول إن المعلم سيكون أمام خيارين إما أن يلجأ إلى الدروس الخصوصية إن لم يكن يستعين بها أصلا، وأن يزيد من المبالغ التي يتقاضاها نظير تلك الدروس، وهو ما يعني انعكاس أثر تخفيض راتبه على الكويتيين بشكل مباشر، وهو ما يعني أيضاً تعالي أصوات الكويتيين طلبا لدعم مالي من الحكومة، أما الخيار الثاني فهو بحث المعلم عن فرص عمل أكثر مواءمة خارج الكويت، وإن تبنى المعلمون هذا الخيار فإن على الحكومة الكويتية أن تبحث عن بدائل لهذا الكم الكبير من المعلمين الذين لا يستطيع سوق الكويت سد النقص الذي سيشكلونه.
ستكون الحكومة حينها أمام تحدي استقطاب معلمين جدد في منتصف العام الدراسي، على أن يقبل هؤلاء المعلمون الجدد بسلم الرواتب الجديد، وهو ما قد يعني الاستعانة بمعلمين قد يكونون أقل جودة من الموجود، علما أن الموجود لا يرقى للطموح أصلا.
ناهيكم عن السلامة القانونية لقرار خفض بدل الإيجار على المعلمين، وهو ما لا أعلم تفاصيله، ولكني لا أعتقد أنه سليم قانونيا، وهو ما قد يؤدي إلى أحكام قضائية تأمر بتعويض المعلمين ممن ستخفض رواتبهم، وسيكلف ذلك الكويت أكثر بكثير من الـ42 مليون التي سيوفرها التخفيض أصلا.
كل اتجاهات الدولة تشير إلى التخبط والضياع وعدم وجود أصحاب رؤية في سدة القرار الحكومي، وهو حتما ما يشير أن تخبط مثل هذا النوع الذي سيفشل في وقت الشدة كما فشل في استثمار الرخاء.