نشرت “نيويورك تايمز” قبل فترة تقريرا صحافيا عن اقتراح لانتشال ليبيا من أزمتها السياسية والأمنية، وهو استعادة النظام الملكي، وإن مؤقتا. وقد سبق وتبنى هذا الاقتراح بشكل رسمي وزير الخارجية الليبي منذ عامين وأعيدت الجنسية لآل الملك إدريس السنوسي المنفيين بعد 47 عاما. الاقتراح يرى أن الملكية حل من شأنه أن يحتوي الفرقاء كافة ويسمح بالتفاف الليبيين حول شخصية أبوية محل احترام، كما البدء فى إعادة تركيب الدولة المشتتة كقطعة بازل بين برلمانين متناحرين وميليشيات متعددة الولاء والقبائل والأيديولوجيات. ولا شك أن الإرث العشائري والقبلي مترسخ بعمق في أغلب الجمهوريات العربية. وهي غالبا أنظمة جمهورية اسمية أو قد نقول عنها ملكية هجينة ترتدي كاريزما الملكية ويحكم فيها الرئيس مدى الحياة كما يورث تماما كملك، مع احتفاظه بالسلطات التشريعية والتنفيذية. وذلك الوضع في أغلب الجمهوريات العربية مثل آل الأسد في سورية وصدام في العراق وما حدث في مصر وليبيا وتونس واليمن قبل أن تندلع الثورات.
وعلى اعتبار الفكر الإنساني فكرا مشتركا، رغم اختلاف الظروف بطبيعة الحال، استطاعت الثورة الفرنسية التحول من شخصية الملك إلى شخصية أخرى هي القومية أو الأمة. والفرق بين القومية العربية والغربية التي عزفت على وتر الأمة نجد أن الغربية في أوروبا، مثلا، أسست لما يدعم هذا الشعور القومي، بأن أنتجت أنظمة صناعية متقدمة اقتصاديا كما في ألمانيا. بينما لم تنتج الحركات العربية التي قادت انقلاباتها الدموية وأسست للجمهوريات سوى الشعارات الفارغة والتقديس الأعمى للزعيم والقائد الضرورة. وكفعل شبيه بالانقلابات الغربية التي أسقطت الملكيات، استبدلت الأحزاب ذات التطلعات القومية الشكلية شخصية الملك بزعامات لكنها زعامات في تجسيد فاشي. واجتهدت الأنظمة لاحقا في تشويه العهود الملكية المسقطة من خلال ماكينتها الإعلامية، وهي عهود اتسم أغلبها بالنهضة على مختلف الأصعدة.
وعلى الرغم من شرخ صورة الزعيم بسقوطه خلال العقد الأخير، إلا أن الثقافة لم تنكسر، والموروث الثقافي لم يتلاش من اللاوعي العربي. كل ذلك إضافة إلى تأثير التركيبة الاجتماعية بلا شك. سقوط الزعماء لم يشف الفكر العربي. يترافق ذلك وغياب مفهوم الدولة والوطنية والمؤسسات، وهو الأمر الذي كرست له النظم البائدة وجعلت من فكرة رحيل الزعيم ضياع البلاد. فشل الجمهوريات وتعقد المراحل الانتقالية والعنف جعلت البعض يفكر في نموذج دول الخليج كمثال، والتطلع إلى إنجازاتها التنموية والاقتصادية، وفوق كل شيء استقرارها السياسي. أو حتى التطلع إلى النظام الملكي الدستوري البريطاني كصورة متناغمة. فكما ليبيا، هناك حنين المصريين لمصر الملك فاروق، ومقارنة نهضة مصر في العهد الملكي وما بعده، وهمس العراقيين بالعهد الهاشمي قبل أن ينتهي بانقلاب دموي، وفي اليمن أسرة حميد الدين وحلم العودة، كذلك الأوساط التونسية ودعوات لعودة حكم العائلة الحسينية. حتى النظم السياسية التي يحلم بها السوريون تشبه الدستور الملكي ما قبل الاحتلال الفرنسي.
يعيب الغرب على العرب رفضهم تطبيق الديمقراطية الغربية، وأن الدين عقبة تعوق التقدم السياسي في المنطقة. لكن يبقى العراق نموذجا لاستزراع شكل غربي لا يتماهى وسوسيولوجيا البلد بشكل كاف. العبرة أن أيا من الملكية الدستورية أو الجمهورية البرلمانية لا يمكن أن يكون واحد منها روشتة دون اعتبار للتربة والمناخ فيها.