على مدى التاريخ، وحتى يومنا الحاضر، حاولت بعض الأقلام في كتبها ومؤلفاتها – خصوصاً التاريخية منها – إعطاء صورة مشوهة ومليئة بالمغالطات والافتراءات بشأن نهضة الإمام الحسين (ع) في كربلاء يوم العاشر من شهر محرم من العام 61 للهجرة (10 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 680 للميلاد)، لكن لأن لغة الحسين (ع) لغة إنسانية في مبادئها قبل أن تكون إسلامية عربية، فإنها امتدت لتخاطب كل الشعوب بكل اللغات.
قبال ذلك المد الفكري المتألق، لا يمكن أن تنجح حملات التشويه، وإن سلمنا إلى أن العديد من منابر التطرف والتكفير والتشدد لم تتوقف في استغلال الذكرى لإثارة الضغائن بين أبناء الأمة من جهة، وكذلك، وبكل صراحة، وجود منابر وأنشطة وممارسات اعتاد عليها البعض في إحياء ذكرى عاشوراء هي الأخرى تسهم من خلال الخطاب المتشدد والمتشنج في إذكاء نار الخلاف والصدام، إلا أن تلك اللغة (إنسانية مبادئ كربلاء)، نجحت طوال 1377 عاماً أن تخاطب المسلمين وغير المسلمين بما فيها من نقاء صور المساواة والتضحية والمحبة والإخلاص والدفاع عن المبادئ والقيم وحقوق الإنسان، وهذه كلها مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي فداه سبط رسول الله (ص)، لذلك، فالطرفان المتشنجان المتناحران المثيران للضغائن والأحقاد، ليسا على صلة جوهرية بمضامين تلك المبادئ.
إنها لغة لا مجال فيها لعواصف الطائفية والمذهبية ونشر الشقاق بين أبناء الأمة الإسلامية، هذا بالنسبة لمن يحمل قلباً نقيّاً يحترم معتقدات الناس وحقوقهم في اعتناق الدين والمذهب الذي يشاؤون لا أن يكون عليهم وصيّاً وكأنه ملاك مرسل، وهذه اللغة، جعلت من المؤرخ الأميركي (واشنطن ايروينغ) يكتب: «كان بميسور الإمام الحسين النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة يزيد، إلَّا أنّ رسالة القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف بيزيد خليفة، بل وطّن نفسه لتحمّل كل الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة، وبقيت روح الحسين خالدة، بينما سقط جسمه على الرمضاء اللاهبة… أيها البطل، ويا أسوة الشجاعة، ويا أيها الفارس يا حسين»، ولربما كان النص الذي كتبه المستشرق الألماني (ماربين) أكثر وضوحاً في فهم رسالة نهضة الحسين (ع): «قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيّته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما… لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام لهما، وأنّ صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلَّا أنّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلَّا كريشة في مهب الريح»، أما الزعيم (غاندي) فكلمته الشهيرة معلومة لدى الغالبية: «لقد طالعت حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين… لقد تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».
لغة الإمام الحسين (ع)، والتي تلزمنا بأن نقرأ ونبحث ونتعمق أكثر وأكثر في تفاصيل هذه الملحمة الخالدة، ليس بالأسلوب النمطي الذي لا يقوم على البحث والاستدلال والتعمق، هي صفحة مهمة للغاية في تاريخ الإنسانية، فهي من جهة تقدم نموذجاً نهضويّاً للدفاع عن الدين والمثل والقيم والمبادئ، والحفاظ على حقوق الناس وأعراضهم وشرفهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق صحيح الشرع، وانطلاقاً من الإصلاح الحقيقي للأمة، وللدفاع عن المظلومين، أيّاً كان دينهم ومذهبهم وجنسهم، لتحقيق المصلحة العامة، وليس مستغرباً، إذ وُصفت ثورة الإمام الحسين عليه السلام بأنها قامت على أساس الأخلاق والمروءة، وغايتها المصلحة العامة، وكانت جهاداً للقضاء على الرذيلة ونشر الفضيلة… شاء من شاء وأبى من أبى.
لدينا في مملكة البحرين العديد من النماذج لبلورة هذه اللغة، ولعل أبرزها النشاط السنوي لجمعية المرسم الحسيني للفنون الإسلامية التي تأسست منذ العام 2001 وأشهرت رسميّاً وفق القرار رقم (5) لسنة 2004، فهي تحمل رسالة باللغة العالمية وهي لغة الفن: «رسالتها الأكبر وهي (ثورة الحسين (ع) كرسالة إصلاحية للأمة)، وعبر الفن الهادف، تسنى لها الانتشار إسلامياً وعربياً وعالمياً، فعلى سبيل المثال، حقق معرض الجمعية الذي أقيم في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2011 في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، تقدماً كبيراً في جهوده لنشر مبادئ الإسلام ومنطلقات الثورة الحسينية في عاصمة غربية انطلاقاً من تعاليم الإسلام في التواصل بين الأديان والثقافات والشعوب وباستخدام لغة الفن».
إن لغة «كربلاء الحسين الحقيقية» تحتوي كل البشر تحت مظلتها، وتعرف البشر بأن الدين الإسلامي يحمل دعوات للمحبة والتسامح والتآخي والتواصل الإنساني.