عند رصد المجتمع وتحولاته لا ينبغي الاستهانة برصد أهم الشرائح فيه، وهي شريحة الشباب، وخصوصا في مجتمعاتنا العربية التي توصف بأنها شبابية، حيث «نسبة الشباب العربي دون الـ25 عاماً تبلغ نحو %70 من مجمل سكان المنطقة، وهم الأكثر تعليماً، ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلاً مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحاً وتطلعاً للمستقبل»، حسب وصف التقرير الإقليمي لجامعة الدول العربية، فلا يمكن فهم الواقع الحالي، ورسم صورة للمستقبل إذا كانت شريحة الشباب بعيدة عن النظر والاهتمام.
لعل الانتخابات الجامعية يمكن أن ترسم لنا جزءاً من المشهد الشبابي والتحولات التي تطرأ عليه، والآمال التي يتطلع إليها، والاهتمامات التي تسكنه، لذلك ينبغي التوقف عند مخرجاتها وتحليل نتائجها من أجل الوصول إلى صورة قريبة للواقع والمستقبل.
أسفرت النتائج الأخيرة لانتخابات اتحاد الطلبة في جامعة الكويت عن فوز ثمين للتيار الإسلامي، الذي يقود الاتحاد منذ ما يقارب الأربعين عاماً، لكن هذه المرة لم يكن فوزاً عادياً، حيث استطاع أن يحصد %58 من الأصوات، وهي من أعلى النسب في تاريخ انتخابات اتحاد طلبة الجامعة، الذي يمثل شريحة الشباب المتعلم والصانع للمستقبل.
لا يمكن قراءة هذه النتائج بعيدا عما تشهده المنطقة في الوقت الراهن من هجمة شرسة على ما يسمى «الإسلام السياسي» في أعقاب الربيع العربي، لتجفيف منابعه وشيطنته وعزله، وقد رُصدت الأموال وبُذلت الجهود في سبيل ذلك، مما قد يحقق نجاحات جزئية ومحدودة، ولكن تأتي مثل النتائج الأخيرة، لتثبت أنه رغم كل التشويه الذي تتعرض له القوى الإسلامية، والإخفاقات التي تقع فيها، لكن المجتمع ما زال يحتفظ بقدر ليس بسيطا من الثقة بهم، وأن الرهان على ابتعاد الناس عنهم ما زال خاسرا، في ظل قدرتهم على مراجعة أنفسهم، والتعلم من أخطائهم، وتطوير أدائهم، والقيام بواجباتهم تجاه المجتمع.
الرسالة التي ينبغي أن تعيها الأطراف، التي تسعى الى إقصاء الإسلاميين عن المشهد، هي أنه طالما التزم الإسلاميون بالعمل المدني والمجتمعي والسلمي، فلا يمكن تحجيم وجودهم، إلا من خلال ذات الأدوات، وأن استعمال الأساليب الأخرى ضدهم ستزيد من التعاطف معهم والالتفاف حولهم.. والتاريخ والواقع خير شاهدين!