طغيان المجاملات على حساب القوانين والقواعد المستقرة سبب رئيس في ابتعاد الخبرات المحترمة عن ساحة العمل، وانتشار الطاقة السلبية التي تقتلع الأمل من جذوره فلا يبقى فيه “أمل” للتورق من جديد.
ما يحصل في شوارع الكويت الرئيسة والفرعية ما هو إلا وجه من وجوه الفساد الإداري ذي التبعات المتواصلة، وأعني بذلك الآلية المتبعة في اختيار وإطلاق أسماء الشوارع التي كثر فيها المجهول على المستوى العام، وقلت الأسماء المضيئة المستمدة من التاريخ العربي والإسلامي والكويتي لدرجة استبدال من قدم من العلم أو العمل ما يخلده سيرته إلى يوم الدين بأسماء لا يعرف عنها شيء في أي مجال. إن الموضوع قد يبدو حساسا من الناحية الاجتماعية، ولكني على قناعة تامة بأنه لم يرتق لهذه المرتبة من الحساسية سوى عندما بدأ الكبار بالمجاملة، وابتعد الأخيار عن مواقع اتخاذ القرار في شأن كان ضمن رؤية الكويت الحديثة، ويبحث على أعلى المستويات بمشاركة نخبة من رجال الفكر والثقافة والتاريخ.
لقد عبث العابثون في صورة الكويت الحرة الديمقراطية وتاريخها، وها هي أسماء شوارعها توزع ضمن سياسة الاستقطاب والتكريم للموالين، بما يعني أن تلك المسألة خاضعة للتغيير، وقد تسحب أسماء وتضاف أخرى كل حسب ولائه واجتهاده.
إننا لا نريد أكثر من الارتقاء والرقي في صورتنا وذائقتنا التاريخية والعلمية، ولا نبحث سوى عن تقديم النماذج المحفزة على الإنجاز والتضحية في سبيل قضايا عامة لا خدمة أهالي المنطقة من “كيس” الحكومة، فما تعجز عن غرسه المدارس في ذاكرة الطلبة، قد تنجح فيه يافطة بارزة تحمل اسم “الحسن بن الهيثم أو البيروني” لكثرة السير في شارعها.
صدقوني ما يحصل مجرد مجاملة مدمرة يجب التوقف عندها، والبدء بمراجعة شاملة لكل أسماء شوارع الكويت، تنطلق من الرصيد المتراكم لدى اللجان الفنية السابقة، وتعمل ضمن رؤية ينهض فيها من يعرفون قيمة العلم والعلماء وأثر القادة العظام.
تلك مهمة ليست صعبة سوى على من “بربس” ويخشى اللوم وتعداد ما قام به من “بربسة”، تلك مهمة سهلة تبدأ بسؤال بسيط: ما سيرة أبيك أو جدك؟ هل فتح القسطنطينية، أو نشر أبحاثا في الذرة؟ وإني لأعلم أن الوقاحة كنز لا يفنى لدى البعض، ولكن عندما يغلق هذا الباب سينتهي هذا العبث فورا، ألم أقل لكم إن تلك مهمة سهلة.