“تم تدميرنا اجتماعياً ونفسياً مع بداية الطفرة النفطية… يجب أن نتوقف كثيراً هنا، فحالياً ليست الأزمة في {الفساد المزعوم الذي تختفي خلفه العواجز} من المعارضين، وليس انخفاض أسعار النفط الذي يتلهى به من يفتقد التبصر والقدرة على النظر للأمام… إن الأزمة حالياً فينا نحن… نحن العلة… والطفرة النفطية هي السبب…”!
العبارات السابقة للزميل عبداللطيف الدعيج في مقاله الأخير بـ”القبس”، وهي “ثيماته” أي الأفكار المهيمنة التي يعيدها الزميل في الكثير من مقالاته، وبها يصف الزميل عوارض المرض الكويتي أو الخليجي، مثل الاتكالية على عمل الغير وضعف الإنتاج وانتشار الفساد بكل صوره، ويدينها بلا هوادة ملقياً وزرها الأكبر على النفط ولعناته كسبب أول، ثم “ال نحن” بالتبعية، لكن أن تصف المرض مسألة وأن “تشخص” أسبابه الحقيقية مسألة أخرى.
من السهل جلد الذات والتأشير على حرفي “نا” ونحن، أي نحن المواطنين كمصدر الشرور والأزمات التي تعصف بالدولة الآن، وستصيب الكثيرين ممن لا حول لهم ولا قوة بالغد القريب، “فنحن” بنهج الزميل التحليلي “المسؤولون” بداية ونهاية، وإن كانت هي مسؤولية دون أن يكون للمواطنين الحرية في الاختيار الحقيقي لقرار مصيرهم، هي مسؤولية دون حق تقوم عليه، حالة غريبة افترضها الزميل عبداللطيف تبسط الأمور وتسطحها وتتهرب من المواجهة الحقيقية للواقع المريض.
لكن كيف أصبح “نا” مسؤولين عن علل اليوم بقدرة قادر، ودون أن ندري، وكيف هبط علينا من السماء “الفساد المزعوم الذي تختفي خلفه العواجز”؟! يبدو عند الزميل أن المقصود “بالعواجز” هو مجموعة من النواب السابقين، مثل سجين الرأي مسلم البراك وفيصل مسلم الذي وقف يوماً بالمجلس وهز بيديه شيكات التحويلات، وبالصدفة بدلاً من تقصي موضوعها بجدية والبحث عن الرؤوس الحقيقيين للفضيحة تم إحالة مسلم للمحاكمات الكثيرة، إذن هؤلاء النواب أو ربما الشباب الذين تجمعوا وتظاهروا يوماً يطالبون بحقوقهم في التعبير والمشاركة الجزئية بالقرار السياسي هم أسباب “الفساد المزعوم”!
لكن الزميل عبداللطيف لا يلقي بالحمل بداية على حرفي “نا”، أي “الأنا” كاشفاً تعاليها ونرجسيتها الريعية، لا بد من مخرج يبرر ويفسر، وجده في الصدفة النفطية، فهي السبب لحالة مرض “الأنا”، فهو النفط الذي دمرنا “… اجتماعياً ونفسياً مع بداية الطفرة”… هو القدر متمثلاً في الصدفة النفطية لا أكثر التي دمرت الذات الكويتية، فالنفط يصبح القوة القاهرة عند القانونيين الذي يخلي المسؤولية الجنائية والمدنية ويزيحهما جانباً ليحملها مصادفات قوى الطبيعة، وهكذا أصبحت القضية ليست “استثمار النفط الأمثل” وتحقيق عوائده في بناء أكبر جسر وأعلى عمارة وتوزيع الهبات المالية دون مناسبة للجميع، مع تخصيص الهبرات الكبيرة للجماعة “إياهم”، الذين أرقام حساباتهم بالبنوك تمتد طويلاً بالأصفار ناحية اليمين وليس اليسار، وهم الذين لا يعرفون الفساد ولا يدركون أسبابه، ولم يكونوا يوماً من الأيام من أصحاب الحظوة والدائرة المقربة لأهل القرار، مثل هؤلاء المواطنين بالصدفة، التي وهبتنا صندوق بندورا النفطي، هم ضحايا المرض القدري، بل هي “المسؤولية” تنحصر في النهاية برقبة مثلاً مسلم البراك وفيصل مسلم وأحمد السعدون أو غيرهم من نواب المعارضة، فهم “عواجز المعارضين” الذين يملكون القرار السياسي من ألفه ليائه، وهم رؤوس البلاء، ولولاهم لأضحت الكويت دنمارك المنطقة العربية… شكراً لهذا التحليل والتشخيص يا بوراكان الذي سيبصم عليه الكثير من جماعات “ال نحن” فقط، أما الآخرون “الطارئون” فليذهبوا للجحيم.