بداية نشير إلى أن قانون العدالة ضد الإرهاب، هو قانون يسمح أن يتم تعقب أي دولة قضائيا يمكن أن ينسب اليها العمل الإرهابي بسبب كون المنفذ للعمل الارهابي أحد مواطنيها أو مقيما فيها، ويمنح حق الملاحقة القضائية أمام المحاكم الأميركية للأفراد والكيانات القانونية، ويمنحها الاختصاص مهما مضى على العمل من زمن (بأثر رجعي)، ومن دون اعتبار لسقوط الدعوى بالتقادم، وهو يلغي اعتبارات حصانة الدولة، ما يفتح مجال الملاحقة على مصراعيه أمام قضاء قد لا يكون محايدا مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار سياسية على الدولة التي صدر ضدها حكم، لذا هذا القانون موجه ضد الدول العربية والإسلامية تضييقا عليها وللضغط على مواقفها، ولذا فهو قانون بأنياب، لكن يمكن أن تكون أنيابه مزدوجة على الجميع، لكن التطبيق العملي سيكون على دولنا والمملكة تحديدا، ولذا فهو قانون جائر ومرفوض.
لا شك في أن إصدار أميركا لقانون «الجاستا» (قانون العدالة ضد الإرهاب) إنما هو جزء من مخطط أميركي لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، والذي يهدف إلى إعادة تحديد مراكز القوى في المنطقة، وهو خطوة بدأت منذ سنوات طويلة مع إعلان ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، بعد أن أسقطت أميركا نظام صدام حسين وأقامت النظام الجديد في العراق تحت إدارة بريمر، وواضح السعي نحو إعطاء إيران تحديدا، والثقل الشيعي بصفة عامة، دورا بارزا في تسيير شؤون المنطقة من خلال تحالف مباشر بين أميركا وإيران، ويأتي في هذا السياق الترتيبات التي تلت هذه المرحلة، بدءا من موجة ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، إذ انه ربيع قُصد منه واستهدف فيه تفتيت الدول العربية، وتحديدا الدول ذات الثقل السني، وشغلها بأمور ذاتية تستنزف كل إمكاناتها أو بإشغالها بمناوشات وتدخلات خارجية، إضعافا لقواها واستنزافا لطاقاتها، وقد سار هذا الترتيب الجديد كما أرادته أميركا، بداية بالعراق وما حصل فيه، وشلّ حركة الحياة السياسية في لبنان من خلال الدور الواسع لحزب الله وبدعم إيراني، وبإخضاع سوريا لإرهاب النظام وبمعية إيران وبتحالف مع الأميركان والروس، وهو ما أوجد حالة لااستقرار وتشريد للشعب، تحت مسمى «محاربة داعش»، وما نراه حقا هو انتهاك لحقوق وحريات الشعب السوري، وأخيرا إعطاء الضوء الأخضر الكامل لإيران للهيمنة على اليمن، إلا أن فطنة الملك سلمان بحزمه أطلقت عاصفة الحزم، والتي من خلالها تمت إعادة التوازن والحفاظ على وحدة اليمن والخليج وحماية مصالحه، بل ومصالح الأمة العربية بصورة أوسع، وإذا كانت سياسات الملك سلمان وتوجهاته الحازمة سببا لقوة الأمة العربية وعزتها وعزمها، فإن ذلك لم يلاق ترحيبا لدى الأميركان، وحاولوا بطرق شتى إضعاف المملكة والدول العربية التي تساندها، ولم يتمكنوا من ذلك.
ويبدو أن إصدار قانون «الجاستا» غايته وهدفه سعي الأميركان بشكل مكشوف في تقصد واضح للتضييق على المسلمين والمملكة بقيادتها الرشيدة، وعلى رأسها الملك سلمان، وعلى دول الخليج العربية التي لم تقبل ببسط النفوذ الإيراني بتحالفه الأميركي على منطقة الخليج، فكان مدخل الأميركان إصدار هذا القانون المنحاز الذي ليس للعدالة فيه لا أساس ولا سند، ويخرج عن كل القيم والأصول والمبادئ القانونية المتعارف عليها، فهو ضرب من ضروب فرض الواقع بحكم القوة، بعيدا عن منطق القانون والعدالة، وحسنا فعلت المملكة والإمارات حينما أعلنتا ربط عملتيهما باليوان الصيني، والمطلوب أن تحذو دول الخليج، وفي مقدمتها الكويت، حذو المملكة والإمارات، حماية لمصالحنا ودفاعا عن وجودنا أمام محاولة فرض الهيمنة الإيرانية بقبعة أميركية على دول الخليج العربي.