تعرفت على المفكر الكبير سيد محمود القمني من خلال مؤلفاته القيمة والجادة، ومن خلال مكالماتنا الهاتفية المتعددة، اعتلال صحته، وارتباطاتي، منعتنا مرتين من اللقاء.
عانى الأستاذ سيد الكثير على يد مناوئيه، من ضيقي الأفق وقليلي الخبرة والفهم، الذين ربما لم يقرأوا يوماً شيئاً مما كتب، بل التقطوا كلمة من هنا، وجملة مبتسرة من هناك، وحكموا على الرجل بالقتل، فقط لأنه سخر من تهديداتهم، واختار قول الحق، ولو على حساب صحته، ومؤخراً على حياته!
مؤسف أن يحكم على هذا الرجل بالسجن، ويبقى المجرمون الحقيقيون ــ من المتطرفين الدينيين، الذين أفتوا بإراقة دمه، وتفريقه عن أسرته ــ طلقاء، ينشرون شرورهم، ويعيثون في العالم قتلاً وتدميراً.
إن سيد لا يدافع عن مبادئه وأفكاره فقط، بل عن سمعة المسلمين ومستقبلهم. فهو يدعو الى اكتساب المعرفة والتنوير، وتطهير الكتب من التكفير والقتل وشي الأجساد وأكل الأكباد. كما أن مواقفه الصلبة في الدفاع عن العلمانية هي الخلاص لنهضة مصر وكل دولة عربية، فلا مفر من الإيمان بها كمخرج أمثل ووحيد للخروج من فترة الظلمات التي نعيشها.
إن مكان سيد هو في أروقة الجامعات، وليس في دروب المخافر، وعلى منابر قاعات المحاضرات وليس في الزنزانات، وبين طلبة العلم، وليس بين المساجين والأفاقين والمجرمين. إن حرية الاعتقاد والرأي ليست جريمة لكي تجر صاحبها، المريض والكهل، ليتم التحقيق معه، ويكفّر من قبل من لا يملك نصف علمه ولا ربع فهمه.
إننا المجتمعات الوحيدة التي لا تسمح للمفكر بأن يفكر، ولا للباحث بأن يبحث، ولا للعالم بأن يعمل بحرية، ويجب ألا يستمر هذا الشيء. لقد دفعت شخصياً ثمناً غالياً لمواقفي، وسيدفع سيد أكثر مني بكثير، فهو ليس الأول في قافلة شهداء الرأي، ولن يكون الأخير حتماً، وستبقى مجتمعاتنا على ما هي عليه من ضلال وتخلف وتأخر في كل ميدان صناعي وفكري وطبي واقتصادي وحتى أخلاقي، طالما بقينا على حالنا ولم نحاول أن نساير العصر.
إن سيد لم يأت بما لم نسمع به من قبل. كما أنه لم يجرم أو يكفر أو يلعن أو يضر أو يهن أحداً لكي يقدم لمحاكمة، في أجوائنا العصيبة، المشحونة بالعمى والتعصب الديني. إن ضمير سيد سيبقى حياً مهما حصل له، والمستقبل سيكون حتماً لمواقفه وآرائه، وليس لمواقف من طالبوا بتكفيره ومحاكمته.
نعيد ونكرر، إن العلمانية، التي طالب ويطالب بها المفكر سيد، هي الطريق الوحيد لكي ننهض ونتطور، وبغيرها ستبقى قوى التكفير والظلام مسيطرة، لا فكاك من قبضتها!
ونختم المقال، متسائلين بحزن واسف، سيد القمني يحاكم، والأزهر لم يكفّر داعش بشكل صريح، بالرغم من كل أفعالها الوحشية، وإساءاتها للإسلام والمسلمين، وهنا يكمن التناقض في أبشع صوره!