احمد الصراف

التطبيع

أقيم في الرياض قبل بضع سنوات، مناظرة تلفزيونية، نشرت «عكاظ» تفاصيلها، وكانت بين الداعية السعودي محمد المنجد، مفتي تحريم كرة القدم وغيرها من فتاوى غريبة، وبين محلل سياسي، تمحور موضوع المناظرة حول طبيعة «الحور العين»، وهل يتجوز منهن في الجنة أما لا؟ وهنا قال «المحلل السياسي» إن الحور العين لسن للمتعة، لأن الدوافع الجنسية غير موجودة في الجنة، وآدم لم يغادرها إلا بعد انكشاف سوءته، وبالتالي فالاستمتاع بالحور معنوي.. وغير ذلك من مضحكات! وبعد تزايد الانتقادات لما ذكره، قام صاحبنا بكتابة مقال في جريدة الرسالة ذكر أن ما قاله عن الحور العين بالقول ان كان في عدم استغلال الإرهابيين للشباب من المراهقين، والإيحاء لهم بأنهم إذا قاموا بعملية انتحارية وقتلوا ودمروا فإنهم يصبحون شهداء، وستستقبلهم الحور في الجنة. والأمر الثاني، أن عدداً كبيراً من «المثقفين» يعتقدون بوجود الممارسة الجنسية في الجنة! وهذا ما يشوِّه صورة الجنة في أذهان المسلمين، ويبعث على السخرية من قبل أعدائهم!
طبعا لم يذكر المحلل السياسي كيف عرف بالوظيفة «المعنوية» للحور العين، ولا يهمني كيف توصل الى حقيقة أن ليس في الجنة متع جنسية، ولا عن اسباب طرد آدم وحواء منها، بحيث لم يعودا مؤهلين للبقاء فيها، بل يهمني أن ألاحظ أن كل هذا صدر عن السيد المحلل الذي ورد في موقعه وفي الويكيبيديا أنه جنرال متقاعد من الجيش، ويدير «مركزا للدراسات السياسية الاستراتيجية»، ويحمل شهادة دكتوراه من أميركا، وأنه كان ضمن القوات التي شاركت في الدفاع عن الكويت عام 1961. وحيث أن بإمكاني الادعاء بمعرفة شيء ما عن السيد المحلل، فسبق وأن التقينا في برنامج حواري، قبل سنوات قليلة، ولم يدع يومها أنه «دكتور»، ولا «جنرال»، وسنفترض هنا أنه حصل على اللقبين بعدها. ولكن بما أنه من مواليد 1951، حسبما ورد في موقعه الرسمي، فإن من حقنا أن نسأله، بعد أن اصبح شخصية عامة، عن صحة مشاركته في الدفاع عن الكويت، عام 1961، يوم لم يكن يتجاوز العاشرة من العمر؟
كما أن لغته الإنكليزية، من واقع عشرات روابط اليوتيوب التي ظهر فيها متكلما بها، باقتضاب شديد وخجل، بينت ضعفا واضحا بمعرفتها، وهذا يعني الكثير في ما يتعلق بـ«أهميتها»، علما بأنه لم يقم حتى الآن بنشر شيء عن «رسالة الدكتوراه» التي يحملها، لا في موقعه الرسمي، ولا في غيره.
كل هذه أمور شخصية يجب ألا تهمنا، ولكن المخيف أن هذه الشخصية أصبحت اليوم في صدارة التصدي لعملية التطبيع الخليجي مع إسرائيل، بعد أن ترأس حتى الآن خمسة اجتماعات مع الإسرائيليين، على الأقل، كممثل «غير رسمي» لدولة خليجية، لتنسيق المواقف معها، في الفترة من يناير 2014 وحتى مايو 2015، وكانت الاجتماعات تعقد بين الطرفين في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في واشنطن، ولكنها انتقلت في يوليو الماضي الى إسرائيل، حيث كان على رأس وفد يضم عددا من رجال الأعمال، وهي الزيارة الأولى من نوعها التي التقى فيها أعضاء من الكنيست الإسرائيلي. ويزخر اليوتيوب بتفاصيل تلك اللقاءات!
هل نحتاج الى تعليق إضافي هنا؟ ألا نستحق الشفقة على أوضاعنا؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *