د. حسن عبدالله جوهر

رجال العازة والدروازة!

“راحت رجال ترفع الدروازة، ظلت رجال المطنزة والعازة”… مثل كويتي يعبّر عن الواقع عندما تتبدل الموازين وتُسنَد الأمور إلى غير أهلها، وعند ذلك لا تجني سوى الفساد والخراب والتخلف، ولعل ما نشهده اليوم من حال البلد أحد أبلغ “مصاديق” هذا المثل الجميل، وما استوقفني عند هذه المقولة بعض التصريحات النيابية بأن الحكومة سوف تقدم على حل البرلمان لأنها لا تستطيع أن تتحمل هذا المجلس “التاريخي”!

هناك عدة آراء حول موضوع حل المجلس الذي جاء مفاجئاً ودون مقدمات ودون حتى أي سبب يمكن تبريره في مرسوم الحل، الذي يشترط ذكر المبررات فيما يتعلق بعدم التعاون، حيث يرجع البعض السبب إلى مجموعة الاستجوابات المتوقعة، وهذا ما لا يصدقه عقل أو منطق، فالمجلس وباعتراف الحكومة والأعضاء قد تجاوز مفهوم التعاون إلى الانصياع الكامل فيما يخص التشريع، والطرفان يتباهيان بأن السنوات الثلاث الماضية كانت عهد الإنجازات!

أما الاستجوابات التي أُعلِن عنها فلا طعم لها ولا رائحة ولا حتى موقف سياسي واضح، إذ إن معظمها يأتي من نواب الرحم الحكومي، كما أن تجربة الاستجوابات السابقة كشفت الجانب المسرحي فيها، حتى تم رفع “العقال” بعدها دون أن ترتقى إلى مرحلة طرح الثقة!

لذا فإن أسباب الحل لا علاقة لها بذلك، إن صحت المعلومات الواردة عن دوافع وتوقيت الحل الذي سرّبت الأخبار أنه لن يتجاوز الساعات القادمة، بل للمحافظة على التعاون بين المجلس الحالي والحكومة، وبمعنى آخر هناك اتفاق حكومي – نيابي للمحافظة على تركيبة السلطتين التنفيذية والتشريعية الحالية للسنوات الأربع القادمة، والطريقة التي سوف يتم بها ذلك هو الحل الصوري والدعوة إلى انتخابات مبكرة جداً جداً قد تكون في غضون أقل من شهر!

الحل المفاجئ لمجلس الأمة إذاً، الغرض منه مباغتة توجه المعارضة بمختلف رموزها وتياراتها واستغلال حالة التشرذم بين صفوفها حتى فيما يخص قرار خوض الانتخابات من عدمه، بالإضافة إلى استباق توقيت انتهاء مدة حبس النائب مسلم البراك وخروجه المزعج سياسياً حتى لو قرر عدم المشاركة في الانتخابات.

السبب الآخر في هذا التوقيت المرتب باتفاق المجلس والحكومة يكمن في حالة الاستياء الشعبي الواسع من السلطتين معاً، ومن مجلس الأمة تحديداً، الأمر الذي رصدته بعض مراكز الاستطلاع، حيث إن مجاميع كبيرة من المستائين والمحبطين والغاضبين سوف يقاطعون الانتخابات المقبلة، وهؤلاء ليسوا أصلاً من المقاطعة “المعارضة” وإنما من مؤيدي المشاركة في آخر انتخابين، وممن أدلوا بأصواتهم في انتخاب المجلس الحالي على وجه الخصوص، وهذا التحليل مبني على بعض ما يدور في دهاليز النواب والوزراء وما يطرح في اجتماعاتهم الخاصة.

لهذا فإن الحل “البدعة”، إن صحت المعلومات حوله، يضيف إنجازاً آخر للمجلس التاريخي، وهو تحقيق معجزة سياسية لاستمرار أكبر عدد من نواب 2013 في المجلس المقبل كدلالة على استمرارية شعبية مجلس “بو صوت واحد” ونجاحه، وهذا ما يجسّد أحد تطبيقات المثل الكويتي في شقه الثاني الخاص بـ”رجال العازة”، فكثير من النواب الحاليين في عازة شديدة إلى الحكومة بأن تكرمهم وتساعدهم في العودة إلى قبة البرلمان نظير خدماتهم الجليلة، وهذا السيناريو قد يكون بالفعل طوافة الإنقاذ لهم، وأن يستمر مجلس 2013، ولو برتوش من التغيير البسيط، لعل وعسى أن يتحولوا لاحقاً إلى “رجال الدروازة”!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. حسن عبدالله جوهر

أستاذ بالعلوم السياسية بجامعة الكويت حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية عضو أسبق في مجلس الأمة
twitter: @HasanJohar
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *